رادار نيوز – كثيرة هي الأقوال المأثورة… لكن الأقوال المتعلقة بالانتخاب الرئاسي في لبنان، مأسورة بجملة اعتبارت تُخجل أحيانًا ولا من يستحي، وببضعة قيود هيهات لمفتاح أن يفكها، وبمجموعة من المفارقات التي بمقدار ما تضحك، تُبكي من الألم… وكلها على بعضها، ليست حلوة، بل تبعث على التقيؤ وطرح السؤال، لئلا تدوم الحال على هذا المنوال…
– يقال إن لبنان وطن صغير، لا أهمية له على خارطة العالم السياسية. فلمَ يشغل انتخاب رئيسه دولًا كبرى، إذًا؟ ولمَ لا يُنتخب إلا بموافقة أميركا، ومباركة فرنسا، ورضى السعودية وإيران، والوقوف على خاطر سوريا؟ ونزيد اليوم اهتمام روسيا التي وضعت رأسها بين الرؤوس، في حفلة قطاع الرؤوس.
ألا يكون، في هذه الحال، دولة ذات شأن، ولو كساحٍ لتصفية حسابات الكبار الدوليين والإقليميين، فيما أهله وسياسيوه، في معظمهم، أكثر من راضين، إن لم يكونوا لا مبالين؟
– لا نص في الدستور يشير إلى طائفة رئيس الجمهورية، لكن العرفيقضي بأن يكون مارونيًّا. ولا نص كذلك يفرض تقديم أحد ترشحه إلى الانتخاب الرئاسي. ولكن ثمة مئات الآلاف من الموارنة في لبنان، وبضعة ملايين ماروني لبناني في العالم، ممن بلغوا الخامسة والعشرين من العمر، قد يترشحون، وينظمون احتفالات وحملات ويعقدون مؤتمرات ويقيمون مهرجانات ويجرون اتصالات ولقاءات، سعيًا إلى احتلال الكرسي الأول… ما خلا واحدًا منهم، لا يُسمع له صوت ولا يأتي بحركة. فإذا بنواب الأمة الكرام، وبينهم طبعًا طامحون مرشحون، ينتخبون هذا الواحد دون الملايين الآخرين.
فلمَ كلهذا الضوضاء… ما دام لا فائدة منه، سوى إيذاء آذاننا، وإشغال أعيننا بما لا يعنينا، وإلهائنا حتى عن أمور تافهة أكثر قيمة وأهمية منه؟
– حيط السياسة الواطئ يسمح لبعض الحالمين أو الطامحين أو “المهضومين”، بأن يحولوا الانتخاب الرئاسي، نكتة أو طرفة أو تسلية. من حق الجميع أن يحلموا، ولكن حين يعرفون أن حظوظهم معدومة، لا بل مستحيلة، لمَ يلجأون إلى هذه اللعبة؟ ولم يتسلون بنا بإطلالاتهم وإعلاناتهم؟ من أخبرهم أنهم ظرفاء أو “أوريجينال” كي يمارسوا علينا سحرهم هذا؟ ألهذا الحد هزل الكرسي، حتى بات كحصان الخشب، يمتطيه من يشاء من الأطفال أو المراهقين في أماكن اللهو العامة؟
– هناك أسماء ما زلت أسمعها تتردد عند كل انتخاب رئاسي، في المنتديات والصحف والإذاعات والتلفزيونات، وعلى ألسنة العامة، مذ وعيت بالسياسة وشؤونها… ولا ييأس أصحابها، ولن ييأسوا. فهنيئًا لهم صبرهم الذي لا ينفد، وطول بالهم الذي تقاس عليه مساحات الأراضي، وقدرتهم الفائقة على تحمل الخيبات، والعمل على شخصياتهم وجلوها كمثل بلاطة رخام، أوحفها كآنية فضة، ليظلوا حاضرين في المشهد السياسي العام، مرة على الأقل كل ست سنوات.
– وهناك أسماء تضاف إلى تلك الممجوجة، مرة كل ست سنوات أيضًا، على أن حامليها نجحوا في أمر ما، أو خُيِّل إليهم النجاح، أو خَدعوا الناس به. يأخذون الرهجة من نظرائهم، فيما هؤلاء النظراء يستعلون عليهم، ولسان حالهم: “من أيمتى أنت بالقصر؟ من مبارح العصر”… فمن كذب عليهم فصدقوا؟ ومن فرش لهم الأرض حرير، فاختالوا وتبختروا؟ذنبهم على جنبهم أنهم لم يعتبروا ممن سبقهم على تلك الدرب، وما زال يمارس عليها رياضة الهرولة.
فمتى، في ضوء ما سبق، يتحول الانتخاب الرئاسي محطة جدية، بلا تدخل خارجي، وبأدوات لبنانية، ووفق آلية ترشح واضحة، وضمن أحزاب وبرامج؟ فلا تعود كبرامج الترفيه أو المسلسلات التلفزيونية الطويلة، مخرجها بارع في الخداع البصري، وممثلوها يؤدون أدوارهم بحرفية عالية، وجمهورها يتابع والريموت كونترول في يده، ولن يلحق يرسو على برنامج أو شاشة منها، حتى يكتشف أن القصة بائخة لا تستأهل حتى عناء “الزابينغ”.
يروى عن رئيس جمهورية أنه كان يستقبل في منزله زوارًا في إحدى المناسبات الدينية، بينهم صديق طفولة له، لم يكمل دراسته لكنه كان نبيهًا ويمتاز بروح النكتة. سأل الزائر الرئيس: أتتعب يا صاحب الفخامة؟ أجابه: أكيد، اجتماعات واستقبالات طوال النهار، وقم واقعد وصافح واستقبل وودع. فعلق الزائر: آه، إذًا لا تنصح لي بالرئاسة؟
وتبقى النصيحة بجمل…
حبيب يونس