رادار نيوز – افتتح البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، عند السادسة من مساء اليوم، المؤتمر الدولي:”المجمع الفاتيكاني الثاني والكنائس الشرقية”، الذي تنظمه الإكليريكية البطريركية المارونية – غزير ومركز الشرق المسيحي للبحوث والمنشورات، التابع لكلية العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف قاعة فرانسوا باسيل.
حضر الإفتتاح ممثل الرئيس سعد الحريري الدكتور داوود الصايغ، ممثل البطريرك غريغوريوس الثالث لحام المطران سليم كريللس، ممثل البطريرك يوسف الثالث يونان المطران جرجس قس موسى، وزير العمل سجعان قزي، سفيرة سويسرا روس فلينت، الوزيرالسابق وليد الداعوق، رئيس المجلس العام الماروني الوزيرالسابق وديع الخازن، النائب السابق صلاح حنين، المطارنة: بولس دحدح، ميشال قصارجي، يوسف درغام، يوسف بشارة، مارون عمار، شكرالله نبيل الحاج، رئيس الجامعة اليسوعية الأب سليم دكاش، رئيس جامعة اللويزة الاب وليد موسى، مدير مركز الأبحاث والمنشورات للشرق المسيحي الاب صلاح ابو جوده، ورئيس الأكليركية البطريركية غزير الخوراسقف عصام ابي خليل.
بداية النشيد الوطني اللبناني ثم كانت كلمة للأب صلاح ابو جوده اعتبر فيها “ان المجمع الفاتيكاني الثاني احدث تغييرات جذرية في قلب الكنيسة الكاثوليكية وفي مؤسساتها المتعددة وفي ضمير وعادات المؤمنين فيها. وهذه التغيرات طالت ايضا العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأخرى والأديان الأخرى، كما طالت ايضا العلاقة مع الدول ومكانة الكنيسة في المجتمعات المعاصرة. وهناك العديد من الفلاسفة واللاهوتيين والرعاة اعتبروا ان الكنيسة الكاثوليكية والمؤمنين لم يقوموا بكل الاصلاحات التي طرحها المجمع الفاتيكاني الثاني”.
ورأى ان “هدف هذا المؤتمر هو التعريف بالمسيحية الشرقية على كل المستويات وتسليط الضوء على ارثها الغني.
دكاش
وشكر الأب دكاش البطريرك الراعي لرعايته هذا المؤتمر وتمنى له “التوفيق في هذه الظروف التي يمر بها لبنان والعالم العربي، كما تمنى له النجاح في مواجهة التحديات التي يعيشها لبنان والكنائس. وعرض للمجمع الفاتيكاني الثاني كيفية انعقاده وشكر الله على اعطاء الكنيسة هذا المجمع المسكوني الذي وصفه الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول بأنه الحدث الأبرز في القرن العشرين”.
ورأى الأب دكاش “ان المجمع هو الحدث الأبرز في تاريخ الكنيسة على مدى خمسين عاما، وترك تداعياته على الحياة السياسية للدول وبين الدول وعلى المؤمنين ايضا. وهو يعطي مكانة للقيم الروحية التي تحمي الكرامة الأنسانية. وابرز انجازات المجمع هي الكنيسة في عالم اليوم التي تبنت قيم حقوق الإنسان والحريات المسكونية واحترام الكنائس الشرقية الكاثوليكية والعلاقات مع الطوائف غير المسيحية، وقد ارسى المجمع الفاتيكاني الثاني مفهوم الكنائس الشقيقة”.
واعتبر ان “هذا المؤتمر يطرح العديد من الأسئلة حول كيفية تلقف الكنائس الكاثوليكية الشرقية لهذا المجمع ، كم من مرة سمعنا بأن المجمع ليس موجها لمسيحيي الشرق الأوسط وبأن وضعنا مختلف عن الغرب وبأن صورة شعب الله يمكن ان تؤدي الى اضعاف الكنيسة وان الديموقراطية لا تعني الشرق. وسيجيب المؤتمر على كل هذه التساؤلات ومدى صدقيتها”.
والقى الراعي كلمة الافتتاح وجاء فيها:
1. يطيب لي أن أحيي رئيس جامعة القديس يوسف الأب سليم دكاش، والأب صلاح أبو جوده مدير مركز الأبحاث والمنشورات للشَرق المسيحي والخوراسقف عصام أبي خليل رئيس الإكليريكية البطريركية المارونية – غزير، شاكرا على تنظيم هذه الندوة الدولية، وعلى طلب رعايتها وتوجيه هذه الكلمة باسم إخواني أصحاب الغبطة البطاركة والسَادة المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات، أعضاء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. ويسعدني أيضا أن أحيي هذا الحضور الكريم والمشاركين في الندوة.
2. تتزامن هذه الندوة بمناسبة مرور خمسين سنة على الاحتفال بالمجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، مع إعلان قداسة بابوَين عظيمَين مرتبطَين عضويا بهذا المجمع. فالقديس البابا يوحنا الثالث والعشرون دعا إليه وافتتحه، وترأس كل جلسات دورته الأولى التي امتدت من 11 تشرين الأول إلى 8 كانون الاول 1962.
لقد أعلن عن رغبته بالدعوة إلى عقد مجمع مسكوني في بازيليك القديس بولس في روما في 25 كانون الثاني 1959، بعد انتخابه على كرسي بطرس بأقل من ثلاثة أشهر (28 تشرين الأول – 25 كانون الثاني 1959)، ففاجأ الجميع. وأعلن في الوقت عينه عن نيته بعقد مجمع لأبرشية روما، وبتجديد مجلة الحق القانوني.
والقديس البابا يوحنا بولس الثاني رأى في هذا المجمع “ربيع الكنيسة”. وواصل مسيرة تطبيقه عبر نشاطاته التعليمية المتنوعة والغنية، طيلة السبع وعشرين سنة من حبريته. وهو على الأخص أصدر مجلة الحق القانوني للكنيسة اللاتينية (25 كانون الثاني 1983)، ومجموعة قوانين الكنائس الشرقية (18 تشرين الأول 1990) وكتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية (11 تشرين الأول 1992). ولا بد من التذكير بأن سلفه المكرم البابا بولس السادس هو الذي واصل دورات المجمع حتى اختتامه في 8 كانون الأول 1965، وباشر بتطبيق تعليمه وتوصياته مدة ثلاث عشرة سنة حتى وفاته في 6 آب 1978.
3.أما الغاية الأساسية من عقده، فقد حددها البابا يوحنا الثالث والعشرون في خطاب افتتاحه، وهي حماية العقيدة الكاثوليكية وتعليمها بشكل أكثر فعالية. إنها عقيدة تتناول الإنسان بكليته، نفسا وجسدا، وتدعونا، نحن المسافرين على وجه هذه الأرض، للسعي إلى الوطن السماوي الأعلى. هذا يقتضي منا ترتيب حياتنا الأخلاقية، بحيث نؤدي واجباتنا كمواطني الأرض والسماء، ونبلغ إلى الغاية التي حددها الله، وإلى نيل الخيرات الإلهية، افراديا وجماعيا. ما يوجب علينا استخدام خيرات الأرض من دون أن تميلَ بنا عن السعادة الأبدية.
هذه هي الأولوية التي توجه أفكارنا وقوانا، عملا بقول المسيح الرب: “أطلبوا أولا ملكوت الله وبره… ” (متى6: 33)، كأساس ودافع لجميع نشاطاتنا الزمنية في المجتمع والدولة والكنيسة. فالمسيح يضيف: “والباقي يزاد لكم” (متى6: 33).
ولكي تطال العقيدة الكاثوليكية كلَ قطاعات النشاط البشري المتنوعة، والمتعلقة بالأفراد والعائلات والحياة الاجتماعية بكافة مساحاتها، من الضرورة ألا تحيد الكنيسة عن تراث الحقيقة المقدس الذي قبلته من الآباء، وأن توجه نظرها إلى الحاضر، وإلى أوضاع العالم الجديدة، وإلى صيغ الحياة في عالم اليوم، التي تفتح أمامها دروبا جديدة للعمل الرسولي.
ولذا، لا تقف الكنيسة، موقف عدم الاكتراث، أمام التقدم العجيب واكتشافات الإبداع البشري والعلم. بل تقدرها حق قدرها، وتدعو الناس إلى أن يوجهوا نظرهم إلى الله، وإلى أبعد من الأشياء المنظورة. فالله هو مصدر كل علم وجمال. وفيما يقول الله للبشر أجمعين: “أخضعوا الأرض وتسلطوا عليها (تك1: 28)، فإنه يأمرهم في الوقت عينه أمرا خطيرا: “تعبد الرب إلهك، وإياه وحده تخدم” (متى 4: 10)، لكي لا تحول استمالة الأشياء المنظورة دون البلوغ إلى النمو الحقيقي للشخص البشري بكل أبعاده (خطاب البابا يوحنا الثالث والعشرين في افتتاح الدورة الأولى للمجمع الفاتيكاني الثاني، 11 تشرين الأول 1962).
4. في ضوء هذه الغاية من المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، ندرك المسؤولية الخطيرة التي تقع على عاتق المسيحيين، وتدعوهم إلى معرفة العقيدة الإيمانية، لكي يحسنوا القيام بنشاطاتهم وواجباتهم العائلية والاجتماعية، السياسية والاقتصادية، الثقافية والحياتية. إن أخطر ما يتهددهم اليوم إنما هو النزعة المادية والروح الاستهلاكية والسعي إلى المصالح الأنانية على حساب الصالح العام.
وندرك في الوقت عينه مسؤولية الكنيسة عن واجبها الأساسي، في كل ما تقوم به من نشاطات روحية وراعوية واجتماعية وثقافية، وهو الكرازة الجديدة بالإنجيل. إنها تعني إعلان إنجيل المسيح إياه بنمط جديد وأسلوب جديد ومقاربة جديدة، في عالم يفقد شيئا فشيئا قيمة الإنسان بنظر الله، وقدسية الحياة البشرية، ومعنى الوجود، وغاية الحياة؛ وتعني إعلان الإنجيل للمسيحيين أولا، الذين ضيعوه أو يجهلونه، بسبب انجرافهم في عالم يضع الله جانبا، ويريد أن يبني حياته ومجتمعه مستغنيا عن الله وشريعته وتعليمه، فيتخبط في مشاكله ويتعثر في أزماته، كبرج بابل جديد (راجع تك11: 1-9).
5. أما في ما يختص بكنائسنا الشرقية، فقد شدد المجمع الفاتيكاني الثاني على هوية كنائسنا ورسالتها في هذا الشرق. فحدد الهوية “بالتراث الليتورجي واللاهوتي والروحي والتهذيبي، الخاص بكل كنيسة، والمميز بثقافة الشعب وظروفه، والذي يعبر عن نفسه بطريقة عيشه الإيمان المسيحي” (راجع قرار الكنائس الشرقية، 3 و4؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق28، بند1).
وتوسع في مساحات رسالة كنائسنا في هذا الشرق وهي: النشاط المسكوني، والكرازة الجديدة بالإنجيل، والحوار مع الأديان.
وهكذا دعاها للعمل على أن تزهر بهويتها، وتؤدي الرسالة الموكولة إليها (قرار الكنائس الشرقية، 1).
6. ولا بد من التذكير بأن المجمع المسكوني أطلق في كنائسنا، طيلة هذه الخمسين سنة، نهضة كبيرة على مستوى الإصلاح الليتورجي، والنشاط الراعوي، والهيكليات الكنسية في لبنان والنطاق البطريركي وبلدان الانتشار، والمؤسسات التربوية والاجتماعية والصحية، والمشاريع الإنمائية، ونمو الرهبانيات الرجالية والنسائية، وتكاثر الدعوات الكهنوتية، والعمل المسكوني، والحوار المسيحي – الإسلامي.
وألهم تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني جمعية سينودس الأساقفة من أجل لبنان وإرشاده الرسولي: “رجاء جديد للبنان” الموقَع من القديس البابا يوحنا بولس الثاني في بيروت (10 أيار 1997)، والجمعية السينودوسية الخاصة بالشرق الأوسط التي دعا إليها وعقدها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر وسلمنا إرشادها الرسولي “الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة”، موقَعا منه في لبنان (14 أيلول 2012).
وعلى صعيد كنيستنا المارونية جسدنا تعليم المجمع المسكوني في نصوص المجمع البطريركي الماروني الذي انعقد ما بين 2003 و 2006. وهي ثلاثة وعشرون نصا موزعة على ثلاثة أقسام: الهوية والجذور؛ التجدد على مستوى الأشخاص والمؤسسات والهيكليات؛ حضور الكنيسة في عالمها بمختلف القطاعات: التربية والثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام والأرض.
7. إن هذه الندوة الدولية التي تتناول تعليم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني بشأن كنائسنا الشرقية، من كل جوانبه، ستساعدنا على تعميق الوعي لهويتنا المشتركة والخاصة، وعن فتح آفاق جديدة لرسالتنا في عالمنا العربي، المتعثر والباحث عن هويته ورسالته. وإني من المؤمنين بأن لكنائسنا، بأبنائها وبناتها ومؤسساتها، بإكليروسها وشعبها، دورا كبيرا في مساعدة بلداننا العربية للخروج من أزماتها، والبلوغ إلى حقيقة هويتها ورسالتها، على مستوى الأسرتَين العربية والدولية.
وإني إذ أعرب مجدَدا عن الشكر والتقدير للذين نظموا هذه الندوة، القيمين على “مركز الأبحاث والمنشورات للشرق المسيحي” التابع لجامعة القديس يوسف، والإكليركية البطريركية المارونية – غزير، ولجميع المحاضرين الآتين من لبنان والخارج، نتمنى النجاح لأعمالها، والاستفادة من وفرة ثمارها على أوسع نطاق.
والتأمت الجلسة الأولى التي تحدث فيها الأب دوم ميشال فان باريز عن الكنائس الشرقية الكاثوليكية والمجمع الفاتيكاني الثاني: قبل وأثناء وبعد المجمع واعتبر انه “بدءا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر نشأ وعي جديد للمكانة الخاصة التي تحتلها الكنائس الشرقية في اتحادها الكامل مع كنائس روما. ورافق الإعتراف بهذه الوثيقة التي تضمنته وثيقة كرامة الشرقيين الإنفتاح المسكوني على الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة وكان لهذا الترافق اصدار مجموعة الكنائس الشرقية، ليست الكنائس الشرقية مجرد طقوس بل هي كنائس مستقلة بتراثها الليتورجي واللاهوتي والروحي والكنسي والقانوني الغني”.
اما الوزير الأيطالي السابق البروفسور اندريا ريكاردي فتناول موضوع الكنيسة والأخرون واعتبر “ان المجمع الفاتيكاني الثاني خلق علاقة جديدة بين الكنيسة والآخرين مستشهدا باللقاء بين البابا بولس السادس وبطريرك القسطنطينية اثيناغوراس، وكان هذا اللقاء بمثابة ذوبان الجليد الذي كانت تسببه العوائق التي كانت سائدة في وجه المسيحيين الأخرين والديانات الأخرى. لقد حدث كثير من التغيير فعلى المستوى اللاهوتي تم التأسيس لبعد “الأخر” في الأفق الكاثوليكية”.
هذا ويستمر المؤتمر يوم غد ويشارك فيه عدد من اللاهوتيين والمفكرين المحليين والإقليميين والدوليين، بغية تقييم نتائج تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني ويقدم قراءات لاهوتية وقانونية ومسكونية وراعوية اضافة الى قراءة للعلاقات مع الأديان الأخرى.