رادار نيوز – آه لو نكفّ عن التغني بأن لبنان هو الدولة الديمقراطية الوحيدة في هذه المنطقة، وبأن فيه انتقالًا للسلطة من جهة إلى أخرى أو من رئيس إلى آخر، وبأن فيه رئيسًا سابقًا على قيد الحياة، على عكس دول الجوار، حيث لا رئيس سابقًا إلا مرحومًا…
ها هو العراق، على رغم مآسيه والدموية التي تطبع مشهده اليومي، ينجح مرتين، منذ إطاحة صدام حسين، في إجراء انتخابات، وينتج سلطة جديدة.
وها هي مصر تفلح في تتويج ثوراتها المتعاقبة في السنوات الأربع الأخيرة، بانتخاب رئيس يتسلم مقاليد الحكم من سلفه الـ”حيًّا يُرزق”.
وها هي سوريا الغارقة في حمام دم، والمقطعة أوصالها، وعلى رغم كل ما قيل ويقال، تجري انتخابات رئاسية، في مختلف محافظاتها، ما خلا واحدة… ويختار شعبها رئيسه ونظام حكمه.
أما نحن، فمنذ اتفاق الطائف، عام 1989، نسقط مرتين في تجربة الفراغ، ونقف متعامين عن جوهر المشكلة، وعاجزين عن وضع الإصبع على الجرح… والحبل على الجرار ما لم نصحح الخلل، بعيدًا من المكابرة، وبكثير من المصارحة، ما دام نظامنا طائفيًّا، حتى الآن، وما دام الجهد لقيام الدولة العلمانية أو المدنية لم يبلغ خواتيمه السعيدة بعد.
وعليه، أطرح أسئلة ساذجة، “على قد عقلاتي”، على هامش الفراغ الذي نعيش، أظن أنها تراود كثرًا، منذ زمن، وما زالت بلا أجوبة:
– هل ديمقراطية لبنان، ميثاقية أم عددية؟ إنها ميثاقية، حتى إشعار علماني آخر. ألا تقضي الميثاقية بالمناصفة، وبالمشاركة الفعلية في القرار والسلطة؟ بلى حتمًا… أَوَلَمْ يحدث اتفاق الطائف الذي وضع لتصحيح خللٍ في المشاركة، خللًا معاكسًا استمرأته القوى الحاكمة منذ العام 1989، تحت مظلة سياسية أميركية – سعودية – سورية، وما زال مستمرًّا، فأبعدت طائفة أساسية عن القرار؟ أولا يقتضي هذا الواقع وقف التمادي في تكريس هذا الخلل، بالاعتراف لطائفة رئيس الجمهورية بحقها في أن تتمثل بالأقوى من زعمائها، كما هي الحال في تمثيل طائفتي رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة؟
– واستطرادًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر… ألم يكن هناك اتجاه، لدى بعض القوى، إلى انتخاب نائبٍ صوَّت له من أبناء طائفته واحد في المئة فقط، رئيسًا للمجلس النيابي عام 2009، إلا أن الحرص على الميثاقية أتى بممثل الطائفة الأقوى إلى الكرسي الثاني؟
– مثل آخر… ألم تقم القيامة ولم تقعد، حين اختير الرئيس نجيب ميقاتي لترؤس الحكومة، على أساس أنه ليس الأقوى بين زعماء طائفته، فوضعت عراقيل كثيرة في وجهه، وجُبهَ بحملة طائفية لها أول وليس لها آخر، وأمضى مدة حكمه، وهو يحاول استرضاء طائفته، ليثبت أهليته للمنصب؟
– مثل ثالث… هل يسمح النائب وليد جنبلاط بأن يعيِّن أيٌّ كان، حاجبًا من طائفة زعيم المختارة، في أي من دوائر الدولة، من دون رضاه وموافقته؟ وتراه مصرًّا على ترشيح نائب من كتلته، إلى الرئاسة الأولى، ومعارضًا وصول أي رئيس يمثل طائفته فعلًا؟
– قد يقول قائل إن على طائفة الرئيس أن ترضى بالقسمة والنصيب اللذين أرستهما سنوات الوصاية الأميركية – السعودية – السورية على لبنان، نظرًا إلى تراجع حجمها وعددها وضمور حضورها… ولكن أتحدى الكبير في هذه الدولة والصغير، أن يجرؤ على الكشف عن أعداد المجنسين في مرسوم العام 1994، الذي، وإن أعطى أصحاب الحق في الجنسية حقهم، أحدث خللًا ديموغرافيًّا هائلًا، هيهات تنفع معه الفضائح الكثيرة التي انطوى عليها ذاك المرسوم، أو الطعون التي قدمت لإبطال حالات شتى فيه، وما زالت نائمة في الأدراج… من دون أن ننسى حرمان اللبنانيين في الخارج حقهم في التصويت في سفاراتهم حيث هم – ولا أتكلم هنا على استرجاع المتحدرين من أصل لبناني جنسيتهم. أتحدى وأذكِّر بخبر ورد، قبل نحو 15 عامًا، في أحد تقارير قوى الأمن الداخلي عن خلاف واشتباك بين عائلتي شقيقين، في قرية جنوبية، ليتبين لاحقًا أنهما من المجنسين حديثًا، وأن عائلة أحدهما تعدُّ 90 فردًا، وعائلة الآخر 80، ولم يرد في ملف تجنسيهما سوى أنهما اثنان، فيما الحقيقة أنهما 170 فقط لا غير، عدا السهو والغلط. وقس على ذلك.
هل من يجيب عن هذه الأسئلة، وينبري اليوم قبل غد، إلى تصحيح كل هذا الخلل، بتحقيق المشاركة الفعلية، لا أكثر ولا أقل، فينتخب الرئيس في جلسة لا تستغرق سوى دقائق، وتصطلح عجلة هذا الاستحقاق، فتسير طبيعية، مرة كل ست سنوات؟
في انتظار الجواب… ثمة سياسي كان يدلي بحديث عن الرئاسة الأولى، إلى إحدى وكالات الأنباء الأجنبية، وهو مستوٍ في كرسيه، وكلبه إلى جانبه، وقد “فَوْكَسَ” المخرج على يد الزعيم تداعب رأس ذاك الحيوان الأليف ورقبته.
كان مشهدًا مؤلمًا مؤذيًا… يملأ به “حضرته” جزءًا من الفراغ بالموقف المناسب!!!
حبيب يونس