بدر شاكر السياب اين الصباح من الظلام تعيش فيه بلا نهار

323 views
41 mins read

بدر شاكر السياب (1926-1964م) شاعر عراقي ولد بقرية “جيكور” جنوب شرق البصرة في أسرة ريفية محافظة تتجر بالنخيل. درس الابتدائية في القرية المجاورة لجيكور والثانوية في “البصرة” 1938-1943، ثم انتقل الى بغداد فدخل جامعتها “دار المعلمين العالية” (1943-1948) والتحق بفرع اللغة العربية، ثم الانكليزية فاطلع على آدابها ونجده عام 1960 في بيروت يطلب المعالجة، ثم يستبد بجسمه الشلل الكامل 1961، ولا ينفعه بعد ذلك أطباء بغداد والكويت وباريس ولندن وروما، ويتوفى في “المستشفى الأميري” بالكويت، فتنقل جثته الى البصرة، من دواوينه “أزهار ذابلة” 1947، و “أساطير” 1950، و “حفار القبور” 1952، و “المومس العمياء” 1954، و “الأسلحة والأطفال” 1955، و”أنشودة المطر” 1962، و “المعبد الغريق” 1962، و “منزل الأقنان” 1963 و “شناشيل ابنة الجلبي” 1964. ثم نشر ديوا “اقبال” عام 1965. وله قصيدة “بين الروح والجسد” في ألف بيت تقريباً ضاع معظمها. وقد جمعت دار العودة “ديوان بدر شاكر السياب” 1971 وقدم له ناجي علوش. وله من الكتب “مختارات من الشعر العالمي الحديث”، و “مختارات من الأدب البصري الحديث”.

ماذا يقول السياب عن :

تعريف الشعر:
ربما كان الشاعر أعجز الناس عن تعريف الشعر، ونستطيع أن نقول انه لغة يغلب فيها المجاز، وهو يعبر عن العواطف ثم عن الأفكار ، وأن يكون موزوناُ. وأنا ضد الشعرالذي بدون وزن.
(من حوار مع السياب 1966)

المرأة :
فقدتُ أمي وما زلت طفلاً صغيراً، فنشأت محروماً من عطف المرأة وحنانها. وكانت حياتي، وما تزال كلها، بحثاً عمن تسد هذا الفراغ، وكان عمري انتظاراً للمرأة المنشودة، وكان حلمي في الحياة أن يكون لي بيت أجد فيه الراحة والطمأنينة.
(من مقدمة ديوان أساطير 1950)

الشعر والدين:
إذا تذكرنا أن الدين والشعر نشئا توأمين، وأن الدين كان، وما يزال، وسيلة يستعين بها الإنسان لتفسير ظواهر الطبيعة وقواها الغامضة ولاسترضاء هذه القوى المجهولة من جهة، ثم لتنظيم العلاقات بين البشر من جهة أخرى، أدركنا أن تفسير الحياة وتنظيمها أو تحسينها بالأحرى، ظلاّ ، طوال أجيال عديدة من أهم أغراض الشعر وأهدافه.
(من مقدمة لمختاراته الشعرية 1957)

الجواهري :
الجواهري أستاذ هذا الجيل الطالع من الشعراء العراقيين، والحق أني والكثيرين من الشعراء الشباب الآخرين مدينون له بالشيء الكثير، وهو قمة من قمم الشعر العربي في كل عصوره، وأعظم شاعر ختم به النهج التقليدي للشعر العربي.(أراء في الشعر الحديث: حديث مع الشاعر بدر شاكر السياب 1956)

نزار قباني:
إن شعر نزار أشبه بالشوكولاته تحسه ما دام في فمك، إلا أن طعمه يزول عندما تنتهي من وضعه. وأنا شخصياً لا أشجع انتشار هذا النوع من الشعر، وإن كان شعر نزار لوناً يحتاج الشعر العربي إليه، إن نزار وحده كافٍ . فحاجة المرء إلى الشوكولاته ليست كحاجته إلى الماء والخبز وشعر نزار شوكولاته. (من لقاء مع السياب 1957)

المرض:
أعتقد أن المرض كسواه من الحوادث تجربة عميقة، خاصةً إذا كان مرضاً كمرضي أستمر مدة سنوات ثلاث وعانيت خلاله تجارب مريرة، اضطررت إلى استجداء الطغاة وإلى التفكير بلقمة الخبز وقرص الدواء لليوم الثاني، وعانيت فيه أشياء مريرة كثيرة، طبعا خلفت كل هذه الأشياء أثرها في شعري، وهناك ديوان من دواويني كان بأكمله تقريباً عن تجربة المرض وهو ديوان (منزل الأقنان).(من مقابلة مع السياب بصوته 1964)

هذه الفقرات أعلاه من كتاب (كتاب السياب النثري). جمع وإعداد وتقديم (حسن الغرفي)، طبع في المغرب.
معلومات عن السياب

* أول قصيدة للشاعر بدر شاكر السياب -توصل إليها الباحثون- هي بعنوان (على الشاطئ). وقد كتبها عام 1941 ، أي كان عمر الشاعر حينها 15 عاماً.

* إن عدد قصائد السياب التي وصلت للمؤرخين والباحثين هي 244 قصيدة ابتدأت من عام 1941 إلى عام وفاته 1964 بقصيدة (عكاز الجحيم).

* لم ينقطع الشاعر عن كتابة الشعر إلا عام 1949

* أقل سنة كتب فيها السياب قصائد كانت أعوام (1941 ، 1951 ، 1952) حيث كتب في كل سنة من هذه السنوات قصيدة واحدة.

* أكثر سنة كتب فيها السياب قصائد كانت عام 1963 وعددها 43 قصيدة.

* للشاعر السياب 10 قصائد تحمل كلها عنوان (سفر أيوب) ، وقد نشرت كلها بديوان (منزل الأقنان) . كتبت القصيدة الأولى بتاريخ 26/12/1962 ومطلعها (لك الحمد مهما استطال البلاء). أما الأخيرة فقد كتبت بتاريخ 2/1/1963 ومطلعها (يا غيمة في أول الصباح). وقد كتبت كلها في لندن

طلق
فيصمت كل شيء
ثم يلغط في جنون
هي بطة فلم انتفضت ؟ وما عساها أن
تكون ؟
ولعل صائدها أبوك، فأن يكن فستشبعون .
وتخفّ راكضة حيال النهر كي تلقى
أباها:
هو خلف ذاك التل يحصد . سوف يغضب إن رآها.
مرّ النهار ولم تعنّه وليس
من عون سواها
وتظل ترقى التل وهي تكاد تكفر من أساها .
وعيون فلاحين ترتجف
المذلة في كواها
والغمغمات : ” رآه يسرق ” ، واختلاجات الشفاه
يخزين ميتها،
فتصرخ :” يا إلهي ، يا إلهي
.
وتنشب الحرب ويجيء آلاف الجنود إلى العراق ،
فتستباح اعراض، وتقع سليمة فريسة لهذا المد العاتي، وتصبح بغية محترفة ، ويكون
الاقبال عليها في شبابها كبيراً .
فيقول بدر شاكر السياب:
كان الزبائن
بالمئات ، ولم يكونوا يقنعون
بنظرة قمراء تغصبها من الروح الكسيرة
لترش
أفئدة الرجال بها، وكانوا يلهثون
في وجهها المأجور، ابخرة الخمور ، ويصرخون

كالرعد في ليل الشتاء .
لكنها تصاب بالعمى وتحس بوطأة السنين الزاحفة ، كما
يتغير اسمها بعد فقد البصر فيدعونها ” صباح” ، فيقول عنها:
هي- منذ أن عميت – ”
صبـــاح ”
فأي سخريــة مريره !
اين الصباح من الظلام تعيش فيه بلا نهار

وبلا كواكب أو شموع أو كوى وبدون نار ؟ .
وبسبب عماها يبتعد عنها طلاب
الشهوة وتحس بالجوع والحاجة إلى المال
لم يعرض الزانون عنها وحدها؟ لم
يعرضون
وهي الفقيرة فقر شحّاذ ؟ أما هي كالنساء ؟
وفي غمار تلك الحياة
القاسية تفقد بنتاً من ثمرات الاثم. فيقول بدر :
ما العمر؟ ما الايام؟ عندك ، ما
الشهور ؟ وما السنين ؟
ماتت ” رجاء” فلا رجاء. ثكلت زهرتك الحبيبة !
بالامس
كنت إذا حسبت فعمرها هي تحسبين
ما زال من فمها الصغير
طراوة في حلمتيك
وكركرات في السرير
كانت عزاءك في المصيبة ،
وربيع قفرتك الجديبة .
كانت
تشاركك العذاب لكي تكفّر عن خطيئه !
أفترضين لها مصيرك ؟
فاتركيها للتراب

في ظلمة اللحد الصغير تنام فيه بلا مآب .
وهي في ذلك الوضع المحزن تستدعي
الايدي التي تشتري جسدها بما يسد الرمق فلا يسمع دعاءها أحد :
لا تتركوني يا
سكارى
للموت جوعاً ، بعد موتي – ميتة الاحياء – عارا
لا تقلقوا
فعماي
ليس مهابة لي أو وقارا .
ولقد كانت سليمة تنتظر الزبائن كلّ مساء في غرفتها
بالمبغى على ضوء مصباح زيت تدفع أجرته ، وهي لا شك سخرية مرة إن لا تستطيع المومس
أن ترى نور المصباح في شقائها وعماها ، بينما العراق يبدد ثروة زيته الذي يستغله
الاجانب
ويح العراق! أكان عدلاً فيه إنك تدفعين
سهاد مقلتك الضريرة
ثمناً
لملء يديك زيتاً من منابعه الغزيرة ؟
كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين ؟
.
ولكن المومس ليست وحدها ضحية المجتمع الظالم. إنما هي صـورة مصغرة لهذا
الظلم ، إذ إن كلّ الاشخاص الآخرين في القصيدة ضحايا مثلها، بمن فيهم الشرطي الذي
يحرس المبغى ليلاً بينما تمارس زوجته البغاء في وحدتها وفقرها ولا يستثني منهم
الرجال انفسهم الذي يقصدون المبغى
هم مثلها ـ وهم الرجال ـ ومثل آلاف البغايا

بالخبز والاطمار يؤتجرون ، والجسد المهين
هو كلّ ما يتملكون ، هم الخطاة
بلا خطايا
وهم السكارى بالشرور كهؤلاء العابرين
من السكارى ،
بالخمور
كهؤلاء الفاجرين بلا فجور
وتقول المومس العمياء في حوارها الداخلي
وهي تصف نفسها لتجذب الزبائن:
من ضاجع العربية السمراء لا يلقى
خسارا .
كالقمح لونك يا ابنة العرب ،
كالفجر بين عرائش العنب
او كالفرات
، على ملامحه
دعة الثرى وضراوة الذهب .
لا تتركوني فالضحى نسبي :
من فاتح
، ومجاهد ، ونبي !
عربية أنا: أمتي دمها
خير الدماء كما يقول أبي .

Previous Story

نزار قباني، لو خرج المارد من قمقمه، وقال لي لبيك دقيقة واحدة، لديك تختار فيها كل ما تريده من قطع الياقوت والزمرد لاخترت عينَيْكِ .. بلا تردد

Next Story

طرابيش بلا رؤوس…

Latest from Blog

الإيزوتيريك يثقف ملكًا

“الإيزوتيريك يثقف ملكاً”، كتاب يبصر النور في طبعته الرابعة بعدما انتظره قرّاء علم الإيزوتيريك لسنوات بفارغ