بطرس البستاني… نفير سورية

450 views

بطرس البستاني (1819 – 1883) أديب لبناني من اعظم اركان النهضة.اشترك مع فانديك في ترجمة الثوراة إلى العربية و انشا ”المدرسة الوطنية“ في بيروت عام 1863 و كان الول من نادى بتعليم المراة.

من أسرة مارونية مشهورة أنجبت رجالاً عدة أدوا للغة العربية والأدب خدمة جليلة.‏

– ولد بطرس البستاني في قرية الدِّبِّيَّة في لبنان [1 مايو] ( 1819 ) ، وتلقى علومه في مدرسة » عين ورقة « كبرى مدارس ذلك الوقت ، وتعلم فيها لغات عدة كالسريانية واللاتينية والايطالية إلى جانب الفلسفة واللاهوت والشرع الكنسي ودّرس الانكليزية على نفسه .‏

وفي عام ( 1840 ) ذهب إلى بيروت واتصل ببعض المبعوثين الأمريكيين يعلمهم العربية ويعرب لهم الكتب واستعانوا به على إدارة الأعمال في مطبعتهم .‏

عين أستاذ في مدرسة » عبية « سنة ( 1860 ) فمكث فيها سنتين ، ثم عين ترجماناً للقنصلية الأمريكية في بيروت .‏

وهكذا تعلم أصول اللغات من السريانية والايطالية واللاتينية والعبرية واليونانية والانكليزية في بلده لبنان نافذة العرب على الغرب .‏

بعد عام ( 1860 ) وجه عناية فائقة إلى توعية الشعب في بلاده فأنشأ جريدة » نفير سورية « وهي أول جريدة وطنية راقية ، دعا فيها إلى الألفة ونبذ الأحقاد ثم رأى أن القلوب لا تتفق إلا إذا اعتادت الاتحاد والوئام ، فأسس سنة ( 1863) » المدرسة الوطنية « الشهيرة ، وكانت أول مدرسة وطنية عالية فأمها الطلاب من مختلف الطرائف ومختلف المناطق ، ومن البلدان المجاورة ليتعلموا فيها ، وفي جملة ما يتعلمونه العربية والانكليزية والفرنسية ومحبة الانسان والتعلق بالأوطان . وأكثر ما عرف به معلمنا هو اللغة والتأليف فقد اشتغل بالتأليف فصنف كتباً متعددة في الحساب والنحو والصرف واللغة والأدب كما ترك لنا أثاراً كان لها أبلغ الأثر في ثقافة عصره .‏

كما ترك عدداً من لخطب والمحاضرات والمقالات التي كان يلقيها في المنتديات والجمعيات ويدبجها في الجرائد والمجلات .‏

كذلك أنشأ مستعيناً بابنه الأكبر » سليم « أربع صحف هي بالإضافة إلى “نفير سورية” (1860). “الجنان” (1870) و “الجنة” و”الجنينة” وكانت جميعها صحفاً سياسية وتجارية وأدبية أسبوعية أو يومية.‏

أثاره الأدبية واللغوية‏

أما أعظم أثاره على الإطلاق فهي » دائرة المعارف « التي عرفها بقوله » إنها قاموس عام لكل فن ومطلب « وقد صدر منها في حياته ستة أجزاء ، وصدر منها بعد وفاته خمسة أجزاء . واشتغل فيها أبناؤه وبخاصة سليم ونسيبه » سليمان خطا البستاني « وتوقف العمل قبل أن يكمل المشروع وتعد هذه الموسوعة فعلاً أول موسوعة وطنية قائمة على المنهج الحديث في التأليف .‏

أما الأثر الثاني له ، والباقي أيضاً فهو » معجم محيط المحيط « وهو أول قاموس عصري في اللغة العربية طبعه في مجلدين كبيرين في بيروت عام ( 1870 ) ورفعه إلى السلطان العثماني ، فنال عليه الوسام المجيدي الثالث ولا يزال هذا المعجم أحد أهم المعاجم العربية الحديثة ، يحتاج إليه كل عالم لغة وطالب بحث ، رغم مرور أكثر من مئة عام على تأليفه وذلك لأنه رتبه على حروف المعجم باعتبار الحرف الأول من الثلاثي المجرد وجمع فيه كثيراً من مصطلحات العلوم والفنون سواء منها القاموسية أم المعّربة وشرح أصول بعض الألفاظ الأجنبية وجمع كثيراً من الألفاظ العامية الحية وفسرها واعتمد المعاجم القديمة الموثوقة واستخدم العبارة السهلة البسيطة .‏

وقد قامت مكتبة لبنان « بإعادة طبع المعجم بمجلديه ثم جددت طبعة سنة ( 1977 ) في مجلد واحد وصححت الأخطاء الطباعية وميزت المداخل الجذرية والرئيسية بلون مختلف ، مما يساعد على سهولة استعمال المعجم .‏

يكمن القول أخيراً : كان المعلم بطرس البستاني والمتوفي سنة ( 1883 ) أول من أسس مدرسة وطنية عالية راقية ، وأول من أنشأ مجلة هادفة سامية وأول من ألف قاموساً عربياً عصرياً مطولاً ، وأول من ابتدأ بمشروع دائرة معارف باللغة العربية فكان بحق واحداً من أكبر زعماء النهضة العربية الحديثة .‏

جريدة “نفير سورية” كانت من أشهر صحف الفكر السياسي العربي الحر، وهي جريدة صغيرة ذات صحفتين نشرها المعلم بطرس البستاني سنة 1860 بعد الحرب الأهلية في بر الشامونعني بها “نفير سورية”. أصدرها في بيروت وأوقف نشرها بعد استتباب الأمن في البلاد، وخلود الناس الى السكينة. وقد جاءت انعكاسا لتفاعل الأفكار والآراء داخل أوساط حركة النهضة اللبنانية.

لم تكن جريدة بكل معنى الكلمة، بل عبارة عن رسائل وطنية مكتوبة بلغة مفهومة وأسلوب واضح، موجهة الى المواطنين تتضمن نصائح مفيدة لشد عرى الألفة والمودة بين الناس. وحسبفيليب الطرزي فقد ظهر في هذه النشرة ثلاثة عشر عددا موسومة بالنفير الأول والنفير الثاني وحتى الأخير، بدلا من العدد الأول والثاني .. الخ. بنيما جزم بطرس أبو مانع بصدور احدى عشر نشرة من نفير سورية الممتدة بين أيلول (سبتمبر) 1860 ونيسان (أبريل) 1861.

وانطلاقا من الروح الاستنفارية لهذه الوطنيات، نفترض أن روح الاعتدال والمحافظة السائدة في “حديقة الأخبار”، وهي التي دفعت المعلم بطرس البستاني لتقديم لون جديد من الدعاوة التعبوية الى الرأس العام العربي. طبعا في حدود الامكانات المسموح بها ودون الخروج عن اطار أفكار النزعة العثمانية ، فالدعوة الجديدة الى “الوطنية السورية” أو “الأمة السورية” التي تجلت قبل كل شئ في تسمية النشرة “نفير سورية” أي صفارة الانذار الداعية لايقاظ سكان هذه البلاد من غفوتهم وترجيح العقل لتخطي الفتنة الطائفية الدامية التي هزت أركان الشرق، فكانت المحطة الطائفية الكبرى في تاريخ سورية الحديث. ففي مطلع وطنيته الرابعة المنشورة بتاريخ 25 تشرين الأول (أكتوبر) 1860 عبر البستاني عن خلاصة عقيدته القومية بقوله: “فسورية المشهورة ببر الشام وعربستان هي وطننا .. وسكان سورية على اختلاف مذاهبهم وهيئاتهم وأجناسهم وتشعباتهم، هم أبناء وطننا”.

وقد شدد رواد النهضة في بيروت على روح الوطنية السورية في “حديقة الأخبار” ثم واصولوا هذا المنهاج بعد احتجاب نفير سورية على صفحات مجلة “مجموعة العلوم” (صدرت في 15/1/1868 بعناية الجمعية العلمية السورية). وبكلام آخر، ان تعبير “بلادنا” أو “هذه البلاد” استخدم للدلالة على مفهوم سورية الوطن الأكثر جمالا والأوفر خصبا ليكون بديلا عن مفهوم الوطن العثماني والذي نتج عنه تعبير “شعبنا” أو الشعب السوري أو أبناء الوطن السوري. غير أن النفير بشرت بوطنية من نوعية جديدة تماما غنية المضمون، تمثلت في الدعوة الصريحة لحب الوطن، وفي الرسالة السامية التي ناشدت أبناء الوطن بالترفع عن قضايا الانتماء الديني المذهبي، واظهار التسامح والألفة والمحبة بعضهم ازاء بعض. وتوجعت نفير سورية في بكر نشراتها الى أبناء الطوائف الذين لوحوا بسيوفهم فعكروا صفاء الألفة واضاعوا حق الجوار، فقالب: “ألا تأكلون كلكم نفس الأكل؟ ألا تشربون كلكم نفس الماء؟ ألا تتنفسون كلكم نفس الهواء؟ ألا تتكلمون كلكم لغة واحدة؟ فأعلموا اذن أن الأرض التي تقلكم هي نفس الأرض، وأن مصالحكم ومنافعكم واحدة وعاداتكم وتقاليدكم واحدة أيضا”.

وليس من قبيل المصادفة أن البستاني استشهد بحوادث بدت حيادية لا يجمعها أي رابط بالواقع السوري أو العثماني، كالنضال المسلح الذي خاض غماره البطل القومي الايطالي گاريبالديضد الفاتيكان من أجل توحيد بلاده ، فكان التضامن والتكافل للسير بخطى موحدة وثابتة نحو رقي البلاد وسعادة العباد. فقد كتب البستاني الوله بحب الوطن حرفيا: “وتخلف السوريين ناجم بالطبع عن غياب الألفة والمحبة وعن استسلامهم واذعانهم لجبروت التعصب الديني – المذهبي الأعمى”. وبعد ان يكرر البستاني القول المنسوب الى الرسول العربي “حب الوطن من الايمان” يندد قائلا: “من يستبدل حب الوطن بحب الطائفة ليس سوريا وطنيا، بل هو عدو الوطن”.

وينبغي التأكيد ايضا أن المعلم بطرس البستاني كان في خواطره حول اللغة العربية على صفحات “نفير سورية” أكثر تقدمية مما كان عليه في “حديقة الأخبار” ربما لأنه كان الربان الذي تسلم دفة القيادة هنا. فهو اذ يعارض ويساجل كل من يعتقد بقصور اللغة العربية عن التعبير عن مصطلحات المدنية الحديثة، يتهمه صراحة وعلنا بجهله لكنوز اللغة العربية، مؤكدا أن تمدين العرب بواسطة اللغة العربية أهون وأنفعك بكثير من استخدام اللغات الأجنبية وسيلة للتقدم والرقي. واختتم البستاني كلامه قائلا: “يجب ألا نجعل من سورية برج بابل يبلبل الألسنة كما هي برج الأديان والمذاهب”.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Previous Story

نقولا: خيارنا الإصلاح وإلا فلنعد الى مواقعنا لسنا من هواة الكراسي ونؤيد كل من يقبل بتغيير الذهنية

Next Story

المعلوف (عيسى بن إسكندر) – (1869ـ 1956م) اجعلوا إن متّ يوماً كفني ورق الكتب وقبري المكتبة

Latest from Blog