نجيب الخوري نصّار: مَن لا أرض له لا وَطن له

401 views

أديب لبنانيّ أرثوذكسي الأصل، روائي، مؤلّف مسرحي، وصحافي. ولد في قرية عين عنوب اللبنانية سنة 1873، وتلقّى علومه الابتدائية في الشويفات، ثمّ أكمل تعليمه الثانوي في سوق الغرب، والتحق بالجامعة الأميركية في بيروت، حيث درَس الصيدلة والعلوم السياسية. وعَمل في الصيدلة في مدينة طبريّا في المستشفى الإسكتلندي، ثمّ انتقل إلى سِلك التعليم في القدس وعَلّم في مدارسها المختلفة.

تَاقت نفسه إلى ما هو أبعد مَدى من التعليم، فصار ترجمانا للسيّاح، ووجَدَ في هذه الصنعة الجديدة لذّة في العمل وسعة في المكان، فاسترسل لها. ثمّ هَجرها وعَكف على مُعاطاة الزراعة، واختلطَ بقبائل البدو الرُّحَّل وأبناء القرى والبَوادي، فارتاح لتلك المعيشة.

تعاطى المحاماة، فرافع ودافع وناصرَ الحقّ ونَكّس أعلام الباطل. ثم انصرف إلى الحِرَف الحرّة أيضا. وكان إذا لم يصادفه التوفيق في ناحية، هجرها إلى أخرى، حتّى استقرّ في مهنة الصحافة. ثمّ غادر القدس إلى حيفا لاحقا بإخوته: إبراهيم صاحب فندق نصّار، والدكتور إسبر، ورشيد صاحب صيدليّة نصّار في حيفا أيضا. وأقام هناك حتى سنة 1944، انتقل بعدها إلى بيته في بيسان.

شيخ الصحافة الفلسطينيّة

كان موظّفو الحكومة والبلدية يَكِلون إليه قضاياهم، كما انه اشتغل بالأراضي، وكان قريبا من الفلّاحين. وبعدما يَئس من العيش في ظلّ الحكم التركي، قرّر الهجرة إلى بلاد أخرى. ولكن، لَمّا أُعلِن الدستور سنة 1908، قرّر البقاء في البلاد، وأسّس في تلك السنة صحيفة “الكرمل” ومَطبعتها في حيفا، وأعطاها ربع قرن من حياته. وتُعدُّ “الكرمل” من أهم الصحف في فلسطين وأقدمها في مطلع القرن الماضي، إلى جانب جريدة “فلسطين” في يافا لمؤسّسها عيسى العيسى، وصحيفة “مرآة الشرق” التي كانت تصدر في القدس. وقد بَثّ فيها مبادئه وآراءَه السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية النَيّرة، فكان في كلّ عدد من أعدادها ينبّه إلى الخطر الصهيوني المُحدق بفلسطين، والاستيطان، وإيقاظ بَني قومه وتوعيتهم عليهما. فتعدّدت حملاته وتعالَت صَيحاته، وراح يحذّرهم من نتائج بَيع الأراضي لليهود، وينبّه الرأي العام إلى حالات التواطؤ من جانب السلطات لتيسير شِراء الأراضي من قبلهم. ولهذا، كان في حيفا يَقظا في متابعة جميع الأنشطة التي يقوم بها المهاجرون اليهود، وفي نَشْر كلّ تغيّر جديد في أوضاعهم ومَكانتهم. وظلّ الجمهور على عِلم بالنموّ العدديّ والاقتصادي للجماعة السكّانية اليهودية في حيفا، وبمبيعات الأراضي لهم، وبمشروعاتهم الواسعة النطاق. ومن فرط سَذاجة تفكير ذلك العهد، لقّبه الكثيرون بـ “مَجنون الصهيونيّة” و”شَيخ الصحافة الفلسطينية”، وهو صاحب القول المشهور “مَن لا أرض له لا وَطن له”. واصَلت “الكرمل” الصدور حتى الحرب العالميّة الأولى، إذ حين اشتَدّت مناوأة الأتراك وحلفائهم الألمان له، بعدما دعا إلى ثورة عربية توحّد الهلال والصليب لإقامة دولة عربية قومية حديثة، توارَى عن الأنظار مُلتجئا إلى الناصرة، فساعده أصدقاؤه فيها على التخَفّي. ثمّ نَزحَ خِفية إلى غَوْر الأردن، وتنكّر بزي رَاع، إلى أن اضطرّ لتسليم نفسه والمثول أمام الديوان العرفي في دمشق الذي بَرّأه بعد البحث والرويّة من التهمة التي تعرّض لها.

الدعوة إلى الوحدة

لقد اكتسبَت “الكرمل” شعبيّتها في صراحة مواقفها ووضوح توجّهها، ولم تتعرّض أبدا للأمور الفردية والشخصية، ولم تفتح الباب للمهاترات الكلامية، ولم تلتزم بشكل أعمى بفئة ما. وتوقّفت عن الصدور عند نشوب الحرب العالمية الأولى، وعادت إليه بعد هذه الحرب يوم السبت 7 شباط 1920، وظلّت تصدر إلى مطلع الحرب العالميّة الثانية. وفي سنة 1937 أصبحَت تصدر باسم “الكرمل الجديد”، وصدر العدد الأخير منها في آب سنة 1941 حين أقفلتها سلطات الانتداب نهائيّا.

أقام نجيب نصّار اتّحادا في حيفا سنة 1910، كان هدفه الوحيد النضال ضدّ الصهيونية من خلال إقناع الحكومة بمَنع بَيع الأراضي والهجرة اليهوديّة.

بعد احتلال الإنكليز لفلسطين، أسّس مع رشيد نصّار وأمين عبد الهادي وعبد الله مخلص حزبا سياسيا في حيفا سنة 1918، دَعوه “الحزب العربيّ المُوالي لبريطانيا”. وقد آمن مؤسّسوه بأنّ نجاح الأمّة العربية يعتمد على ربطها ببريطانيا، وعلى السعي وراء الحماية البريطانية، وأكّدوا الحاجة إلى توحيد المطالب العربية وتطوير الحياة الاقتصادية في بلدانها، وفي الوقت نفسه، احترام مصالح بريطانيا في المنطقة. وكان نجيب نصّار الروح المحرّكة لهذا الحزب الذي كان له فرع في الناصرة أكثر نشاطا من فرع حيفا، وضمّ العدد الأكبر من المُنتسبين. وقد نجح في نَشر مبادئ الحزب في غالبيّة القرى المسيحية والمسلمة في قضاء الناصرة، وفي إقامة مدرسة وطنية وجمعيّات زراعية ومدنية. وقد سعى إلى توسيع تأثير الحزب في المدن الفلسطينية الرئيسة الأخرى، ونجح في الحفاظ على شبكة من علاقات الصداقة مع المنظّمات الأخرى والأندية والتيّارات السياسية في المدن الرئيسة. ومن خلال هذه الوسيلة، تعرّفت الدوائر الوطنية العربية في حيفا والشمال إلى الجمعيات الشعبية والوطنية السرية المنظَّمة في القدس ونابلس، في الفترة المبكّرة من الاحتلال البريطاني.

في سنة 1920 دعا نجيب نصّار إلى تأسيس مكاتب للدعاية ضدّ الصهيونية، في أوروبا وأميركا. وتعرّف سنة 1922 إلى الشاعر الأردني مصطفى وهبي التلّ الملقَّب بـ “عرار”، ووجد لديه مُيولا تشبه ميوله، وعملا معا في الحقل الوطنيّ، وزارا الكَرك، وشرعا في الدعوة إلى الوحدة العربية، وحذّرا من قوى الاستعمار، وزارا الناصرة لهذا الغرض، ونصحا فئات فيها أن تترك سياسة الإتجار بالدين… وكانا من دعاة التوفيق بين العرب على اختلاف مِللهم ونِحَلهم.

أصيب نجيب نصّار بمرض رئوي حادّ، فنقل إلى المستشفى الإنكليزي في الناصرة، وما لبثَ أن توفّي في 3 آذار سنة 1948، ودُفن في مقبرة الروم الأرثوذكس في الناصر

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Previous Story

المعلوف (عيسى بن إسكندر) – (1869ـ 1956م) اجعلوا إن متّ يوماً كفني ورق الكتب وقبري المكتبة

Next Story

اختتام مخيم الشبيبة الارثوذكسية في بشمزين

Latest from Blog