مقدّمة
من البديهي القول، بأنّ التّعليم هو حقّ لكلّ طفل. وهذا الحقّ كرّسته اتفاقيّة حقوق الطّفل، وأكّد عليه مؤتمر “جومتيان” كما نصّ عليه الدّستور اللّبناني، وأقرّته خطّة النّهوض التّربوي في لبنان والهيكلية الجديدة للتّعليم.ناهيك عن أنّه تمّ تكريسه في القانون الصّادر عن مجلس النّواب اللّبناني، لكن برأينا إنّ كل ذلك يبقى في إطار الأمانيطالما أنّه لم يقترن بالتّنفيذ العمليّ على أرض الواقع.
إنّ إلزاميّة التّعليم أصبحت حاجة موضوعيّة تفرضها طبيعة العصر وتطلّعاتنا إلى بناء وطن يتمتع أبناؤه بالحدّ الأدنى من الكفايات التّعلّمية والمهارات الّتي تمكّنهم من مواجهة غدهم بأمل وثقة ووعي.
وعليه، سأتناول النّقاط الآتية:
- التّوجّهات المطلوبة من أجل تطبيق إلزاميّة التّعليم.
- الجهود المبذولة الّتي تساعد في إقرار إلزاميّة التّعليم.
- الإجراءات المقترحة لتحقيق إلزاميّة التّعليم.
- التّوجّهات المطلوبة من أجل تطبيق إلزاميّة التّعليم:
إنّ تطبيق إلزاميّة التّعليم يتطلّب مراعاة التّوجّهات الآتية:
- وضع خطّة إجرائيّة قابلة للتّنفيذ ومنطلقة من الواقع.
- الإيمان بتحقيق الإنجازات بشكل تدريجي وفاقًالنهج علمي، وتبعًا لسلّم أولويات يراعي الإمكانات المتوافرة، لأنّه من الخطأ اعتماد سياسة “كل شيء أو لا شيء” مع وضع جدول زمني للتّنفيذ يعطي الوقت الأهمّيّة الّتي يستحقها.
- ضرورة التّعاون بين مختلف الأفرقاء المعنيّين بالعملية التّربويّة لأنّ النّهوض بالقطاع التّربويّ هو مسؤوليّة الجميع.
- التّأكيد على أنّ الأمن التّربويّ والحصانة التّربويّة هما من الأمور الحيويّة الّتي يجب أن نركّز فيها عند تحقيق إلزاميّة التّعليم، بحيث نتمكّن من بناء مجتمع لبناني موحّد متماسك، يتمتّع أبناؤه بالكفايات والمهارات الّتي تمكّنهم من مواجهة تحدّيات العصر، وذلك عبر التّركيز في تنمية مهارات التّفكير العلمي والتّعاون.
- جعل نظام التّعليم أكثر فعالية للتّخفيفمن الرّسوب والتّسرّب والتّأخّر الدّراسيّ، وأكثر فاعليّة عبر تنمية قدرات المتعلّمين وتزويدهم بالكفايات التّعلّميّة الضّروريّة الّتي تمكّنهم من مواجهة تحدّيات العصر.
- تبسيط المعاملات الإداريّة والحدّ من الرّوتين الإداريّ بحيث يمكن توحيد الطّاقات والجهود المبذولة من قبل مختلف الأجهزة.
- العمل على ترشيد الإنفاق، عبر الاستخدام الأمثل للطّاقات الماديّة والبشريّة المتوافرة.
- الجهود المبذولة الّتي تساعد في إقرار إلزاميّة التّعليم:
لقد بذلت في السّنوات الأخيرة جهود كثيرة من أجل النّهوض بالقطاع التّربويّ في لبنان، وصولاً إلى تحسين التّعليم كمًّا وكيفًا. ورغم أنّ تلك الجهود لم تكن كافية لتحقيق الغايات الّتي نصبو إليها لجهة تأمين التّعليم لجميع الأطفال في لبنان، إلاّ أنّه يجدر بنا أن ننوّه بها، وبما نتج عنها من ارتفاع في معدّلات الانتساب المدرسيّ وانخفاض في معدّلات الرّسوب والتّسرّب. ومن هذه الجهود نذكر:
- إقرار خطّة النّهوض التّربويّ وما نتج عنها من هيكليّة تعليميّة ومناهج جديدة، مع التّشديد على ضرورة استخدام طرائق التّدريس الحديثة الّتي تتمحور حول المتعلّم، واعتماد أساليب تقييم تركّز في تنمية قدرات المتعلّم وكفاياته.
- صدور تشريعات تنصّ على إلزاميّة التّعليم حتّى عمر 12 سنة في المرحلة الأولى، و15 سنة في المرحلة الثّانية.
- إنجاز دراسات وأبحاث تتناول قياس مستويات التّحصيل التّعلميّ وأكلاف التّعليم والمؤشّرات التّربويّة والامتحانات الرّسميّة.إضافة إلى الإحصاءات التّربويّة الشّاملة، والدّراسات الّتي تتمحور حول تفعيل العلاقة بين المجتمع المحليّ والمدرسة، والتّوجيه الدّراسي والمهني والصّعوبات التّعلّميّة لتلامذة المرحلة الابتدائية، هذا فضلًا عن الإدارة التّربويّة.
- البدء بإنشاء جهاز لإرشاد التلامذة وتوجيههم، علمًا بأن هذا الأمر بحاجة إلى إعطائه مزيدًا من العناية والرعاية.
- الإجراءات المقترحة لتحقيق إلزاميّة التّعليم:
بعد أن تمّ تشخيصواقع التّعليم في لبنان وبخاصّة التّعليم الأساسي يتّضح جليًّا بأنّتحقيق إلزاميّة التّعليم يتطلّب اتّخاذ إجراءات عمليّة، وفي أقرب وقت ممكن.وفي هذا المجال نشدّد على ما يأتي:
- ضرورة القيام بتعداد إحصائيّ إسمي للأولاد الّذينهم خارج المدرسة، وتتراوح أعمارهم بين 6 و12 سنة وذلك في بداية العام الدّراسي القادم (2018-2019)، عبر الاستعانةبوسائل الإعلام والمخاتير ورؤساء البلديات، إضافة إلى أجهزة وزارة التّربية والتّعليم العالي والمركز التّربوي للبحوث والإنماء والتّفتيش التّربوي.
- الطّلب إلى كلّ مدير مدرسة رسميّة تحديد قدرة المدرسة الفعليّة على استيعاب تلاميذ في الحلقتين الأولى والثّانية من مرحلة التّعليم الأساسي، مع ذكر الصّعوبات الّتي تعترضه في هذا المجال.
- وضع خطّة سريعة لفتح صفوف تستوعب التّلامذة الجدد والمتسربين الّذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 سنة. وفي هذه الحال يمكن بناء بعض الغرف الإضافيّة أو استئجار أبنية بانتظار تأمين الأبنية الملائمة. وبإمكان لجان الأهل والبلديات أن تلعب دورًا مهمًّا ضمن هذا الإطار.
- متابعة الجهود الرّامية إلى تطوير مناهج التّعليم أهدافًا ومحتوى وطرائق وأساليب تقييم ووسائل بحيث تراعي الفروقات الفرديّة بين التّلامذة.
- إدخال ثقافة التّقييم المعياري بدل التّقييم النّمطيّ في عمليّة تقييم التّلامذة وبخاصّة في التّعليم الأساسي بحيث لا يبقى التّقييم في مدارسنا مقتصرًا على الرّقابة والتّنافس بين التّلامذة مع التّركيز في المفهوم الشّامل للتّقييم.
- إعادة توزيع عناصر الهيئة التّعليميّة بشكل يؤمّن احتياجات المدارس والتّلامذة مع اعتماد آلية تشمل تأمين انتقال البعض منهم عند الحاجة بواسطة سيّارات نقل من قبل البلدية على سبيل المثال.
- تأهيل بعض المعلّمين لسدّ النّقص في بعض المجالات من حيث المواد التعليميّة أوالتّعليم المفرّد أو من حيث إرشاد التّلامذة ومساعدتهم في تخطّي بعض الصّعوبات الّتي تعيق تعلّمهم، وذلك بانتظار إنشاء مركز للتّوجيه الدّراسي والمهني على غرار الدّول المتقدمة.
- تفعيل دور البلديّات ولجان الأهل الّتي يمكنها أن تسهم في تأمين بعض الاحتياجات المطلوبة للمدارس.
- تشكيل لجنة تضمّ المديريّة العامّة للتّربية الوطنيّة والمركز التّربوي للبحوث والإنماء ومنظّمة اليونيسف من أجل المباشرة بتنفيذ تلك الإجراءات الهادفة إلى تحقيق إلزاميّة التّعليم، وذلك بالتّنسيق مع رؤساء المناطق التّربوية في المحافظات.
- تأمين إلزاميّة التّعليم حتّى عمر 15 سنة في المراحل اللّاحقة.
- صياغة الإجراءات القانونيّة لتطبيق إلزاميّة التّعليم عبر تزويد مديري المدارس بلوائح إسميّة دوريّة بالأولاد الّذين بلغوا سنّ الدّراسة صادرة عن المخاتير ودوائر النّفوس. مع وجوب إبلاغ الأجهزة الرّسميّة عن كلّ ولد لم يلتحق بالمدرسة.
خاتمة
إنّنا نرى أنّ تلك المقترحات إذا ما أُخذت بعين الاعتبار فإنّها تشكّل أساسًا معقولاً للبدء بتطبيق إلزاميّة التّعليم الّتي تحظى باهتمام الدّولة رئيسًا وحكومة ومجلس نواب. ولا أُذيعُ سرًّا إذا قلت بأنّمعالي وزراء التّربية والتّعليم العاليقد أولوا اهتمامًا خاصًّا لهذا الموضوع، وبناء عليه صيغت العديد من الإجراءات بهدف تفعيل لجان الأهل، وتأمين دعم البلديّات للمدارس، وتعديل القرار الخاصّ بالامتحانات المدرسيّة، وتحديد المشكلات الّتي تعترض سير العمل في المدارس، ويعتبر ذلك خطوة ضروريّة لتحقيق إلزاميّة التّعليم. مع الإشارة إلى أنّه أحيانًا كثيرة لا تنقصنا الدّراسات والقوانين بل ما ينقصنا هو وضعها موضع التّنفيذ والأخذ بمضامينها.