باحث أميركي يكشف كيفية تحكّم شبكة إسرائيل بمؤسسات القرار في الولايات المتحدة
آليات السطوة
يتوقف جايمس بتراس في كتابه “سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة” الذي ترجمه حسان البستاني أمام تاريخ 25 يناير 2006، حينما صوّت الشعب الفلسطيني لصالح حركة “حماس” في انتخابات كانت الأكثر حرية مقارنة مع أي انتخابات أخرى جرت في أي بلد في شرق أوسطي. وفور إعلان النتائج رفضت الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بالنتيجة الديمقراطية ورفضت تسليم المداخيل الناجمة عن جمع الضرائب إلى الفلسطينيين، وسدّت كل المنافذ، واستهلت سلسلة عميقة وطويلة من الحملات على القرى الفلسطينية، قاتلة المئات.
في الفترة التي امتدت أسبوعين ونصف الأسبوع قبل الهجوم الفلسطيني في 17 أبريل 2006 الذي أدى إلى مصرع تسعة إسرائيليين، كانت القوات الإسرائيلية قد قتلت، وجرحت العديد من الفلسطينيين رجالاً وأطفالاً ونساء، وشنّت غارات مستهدفة جماعات فلسطينية في الضفة الغربية، كما هاجم المستوطنون الإسرائيليون العديد من التجمعات الزراعية، فسرقوا المواشي وأتلفوا الممتلكات.
لم تذكر وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية، سواء كانت الإذاعة العامة الوطنية أو أية نشرات دعائية تابعة للوبي اليهودي في الولايات المتحدة مثل “دايلي ألبرت”، أياً من حملات القتل الإسرائيلية هذه. ولم ترد على لسان أي زعيم أميركي أو أوروبي كلمة انتقاد واحدة عن إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل، ولم تعمد النخبة السياسية بأكملها في واشنطن ووسائل الإعلام إلى شجب الإرهاب إلا عندما تبنّت مجموعة فلسطينية عمليّة التفجير، ودافعت حماس عن حق الانتقام. أصبحت الحيلة الدعائية للوبي المتمثّلة بالتركيز بشكل حصري على الهجمات الفلسطينية الفردية والمتقطّعة، وتجاهل تنفيذ أحكام الإعدام اليومية والمنهجية التي تقوم بها إسرائيل، الطبق اليومي الذي تقدمه النخبة السياسية الأميركية ووسائل الإعلام للشعب الأميركي. ويصلح هذا الأمر لإضفاء الشرعية على تأييد اللوبي في عملية تجويع الشعب الفلسطيني وتبريرها بهدف إخضاعه، وعلى اقتراحه المتمثل بقيام الكونغرس الأميركي بمنح معونة إضافية بقيمة 10 مليارات دولار مخصصة لإعادة توطين الإسرائيليين في الضفة الغربية.
الكذب الإعلامي
بالرغم من سياسات الإبادة الجماعية هذه، التزمت “حماس” بوقف إطلاق النار متنازلة عن حق الفلسطينيين الدولي الذي يجيز لهم مقاومة الاحتلال، متجاهلة الحملات الإسرائيلية الصاعقة والمستمرة على الفلسطينيين. في مقابل ذلك، أطلقت وسائل الإعلام الدعائية في الولايات المتحدة حملة استخدمت فيها كل الإمكانات المتاحة لها للإطاحة بحكومة “حماس” إثر عملية 17 أبريل، في حين ربط اللوبي إيران بالحادثة في مسعى للتحريض على هجوم عسكري أميركي عليها.
ورداً على الانتصار الذي حققته الديمقراطية الفلسطينية، وبعد تلقّيه التعليمات من الدولة الإسرائيلية، شن اللوبي الموالي لإسرائيل بأكمله والناطقون باسمه في الكونغرس والهيئة التنفيذية الحكومية هجوماً إعلامياً صاعقاً وناجحاً، وكانت النتيجة قيام واشنطن بتأييد كل مبدأ تتبعه السياسة الإسرائيلية حيال حماس، وبشكل كامل، فقطعت المعونات ولا سيما الإنسانية منها. ومنع المسؤولون الأميركيون حتى من لقاء مسؤولي حماس أياً كان المنصب الذي يشغلونه، كما مارس الدبلوماسيون ضغوطاً على كل بلد أوروبي وآسيوي وعربي وأميركي لاتيني للانضمام إلى الحصار الكامل الذي يشمل المعونات الإنسانية للفلسطينيين. وفيما أحجم العديد من الدول العربية عن إيقاف المعونات وكذلك فعلت فرنسا وروسيا، رفض قادة بعض الدول الذين تربطهم علاقة وثيقة بالولايات المتحدة سياستها الخاصة التي تطلق عليها زوراً اسم نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. وسرعان ما استبدل الترحيب الأولي لبوش بإجراء انتخابات ديمقراطية في فلسطين بتقبّل السياسة التي تتبعها إسرائيل لتجويع الفلسطينيين بهدف إخضاعهم. وكانت هذه السياسات المتبادلة، وإلى حدّ كبير، نتيجة للنفوذ الذي مارسه اللوبي اليهودي. …
إن مراجعة لـ “الدايلي البرت”، بين يناير ومايو 2006، والتي ينشرها مركز الشؤون العامة في القدس لصالح مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الرئيسية، توفّر دليلاً قاطعاً على الجهود المكثّفة التي يبذلها اللوبي اليهودي لخنق الاقتصاد الفلسطيني، والتشجيع على شن هجوم أميركي ضد إيران، وفرض حظر تجاري عليها. ويعد السيناتور جوزف ليبرمان الرائد في هذا المجال والأكثر عدوانية لجهة تقديم اقتراح بشن هجوم عسكري على إيران، وهو لسان حال وزارة الخارجية الإسرائيلية. ووفقاً لمقابلة معه في “جيروزالم بوست” 18 أبريل 2006 صرح ليبرمان الذي هو أيضاً قائد رئيسي في اللوبي اليهودي ومتحدث باسمه قائلاً: لا أعتقد أن أي شخص يعتبر الأمر بمثابة اجتياح برّي كبير، كما هو الحال في العراق، للإطاحة بالحكومة… وكما يقول المؤلف فإن ذلك كان محاولة لتوجيه ضربة إلى بعض عناصر البرنامج الذي كان المرشح السابق لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الديمقراطي وأحد الناطقين باسمه الأكثر تأثيراً في شؤون الشرق الأوسط، وموقف ليبرمان المتمثّل بإلقاء قنابل فوق طهران هو تكرار حرفي للموقف الإسرائيلي الحالي المؤيد للحرب، كما أنه متطابق تماماً مع برنامج لجان العمل السياسي الأميركية ـ الإسرائيلية (آيباك)، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الرئيسية، واللجنة الأميركية اليهودية، والعصبة المناهضة للقدح، والمنظمة الصهيونية في أميركا.
يتناول المؤلف في كتابه هذا نفوذ اللوبي اليهودي المؤثر في سياسة الولايات المتحدة حيال الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل، تشمل هذه السياسة شن حرب عدوانية ضد العراق، والحثّ على القيام بهجوم عسكري على إيران، وضمان الدعم الأميركي للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وإجبار الفلسطينيين على مغادرة بلدهم بأعداد كبيرة. لطالما أدرك القادة الإسرائيليون نفوذ اللوبي اليهودي في تحديد السياسة الأميركية، وقد سمح لهم هذا الأمر بالتأكيد بتجاهل المناشدات الرئاسية التي كانت تصدر من حين لآخر بهدف وقف المجازر، والاغتيالات، وتدمير المنازل، والعقوبات الجماعية، وممارسات أخرى تصب في إطار الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها الفلسطينيون، والكف عن القيام بها. وكما قال رئيس الوزراء السابق ارييل شارون ذات مرة متفاخراً بمدى تأثيره على الرئيس بوش: الولايات المتحدة تحت سيطرتنا.
ولكن وبالرغم من إدراكهم لحجم التمويل الأميركي المستمر وغير المسبوق لإسرائيل، دخل عدد كبير من المراقبين التقدميين في حالة من الإنكار والرفض، زائفة لشرح الرابط بين الدولة الإسرائيلية واللوبي اليهودي والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
يذكر المؤلف كيف أن لطغيان إسرائيل على الولايات المتحدة عواقب وخيمة على السلام والحرب في العالم، وعلى استقرار وعدم استقرار الاقتصاد العالمي، ومستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة. إن هذه الدراسة موضوع هذا الكتاب التي تتناول اللوبي الاسرائيلي لا تناقش موضوع أي لوبي آخر يمارس ضغوطاً على الكونغرس بهدف الحصول على معونة مالية إضافية من الميزانية، أو على إعفاء من الضرائب، أو جزء من تشريع يستفيد منه اقتصاد معيّن أو مصلحة إقليمية. لقد أدّت مطالب اللوبي الصهيوني مباشرة إلى الحصول على دعم أميركي لحروب إسرائيل العدوانية ضد الدول العربية، وللحربين الأميركيتين ضد العراق، واجتياح لبنان، وغزة، وتهديدات عسكرية مستمرة ضد إيران وسوريا ومن غير المفاجئ أن تعتبر أكثرية واضحة من الأوروبيين أن إسرائيل تشكل التهديد الأكبر للسلام العالمي.
تحريك النخب
قسّم المؤلف كتابه هذا إلى أربعة أقسام، ويركز القسم الأول على النفوذ الصهيوني في أميركا على دور المسؤولين الموالين لإسرائيل في الحكومة، وعلى دور اللوبي في دفع الولايات المتحدة إلى شن حرب العراق. كما يخص بالذكر النزاع القائم ضمن النخب داخل الحكومة، بين المنادين بمصالح إسرائيل أولاً والمسؤولين التقلديين الموالين بشكل أعمى للدولة من جهة ثانية، ولا يقتصر النفوذ الصهيوني على اللوبي فقط بل تعكسه أيضاً تقارير الصحفيين التحقيقيين الذين يتجنبون بشكل منهجي الدور الواضح للمنادين بمصالح إسرائيل أولاً، وفي حين عجز المراسل الصحفي التحقيقي ديفيد هرش في كشف النقاب عن العلاقة الإسرائيلية ـ الصهيونية بالحرب، اكتشفت الآف في أي حالة جاسوسية ثلاثية الأطراف يشارك فيها عناصر رئيسيون في آيباك مرتبطون بمسؤول استراتيجي عالي المنصب وبجاسوس في الموساد يتمتع بمهارة عالية في السفارة الإسرائيلية.
في القسم الثاني يناقش المؤلف دور التعذيب، والاغتيالات، والإبادة الجماعية، بصفتها ممارسات أساسية لبناء الأمبراطورية الأميركية ـ الإسرائيلية، ويركّز أيضاً المؤلف بصفة خاصة على اجتياح إسرائيل الهمجي لغزة كونه مثالاً واضحاً على التطهير الإثني من خلال التفجير الإرهابي وتدمير البنية التحتية المدنية. والإبادة الإثنية التي اتبعتها الدولة اليهودية في غزة دون فرض أي عقوبات عليها كانت تجربة حيّة للهجوم على لبنان وارتكاب إبادة جماعية على نطاق واسع، مما يثبت العلاقة بين الإفلات من العقوبة والاعتياد على ارتكاب الإبادات الجماعية. وفي غزة ولبنان لعبت جماعات الضغط اليهودية دوراً رئيسياً لضمان دعم واشنطن غير المشروط للمحرقة (الهولوكست) التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان. ويوجز المؤلف أيضاً، دور إسرائيل ووكلائها الأميركيين في إعداد الولايات المتحدة للحرب ضد إيران، وعواقب هذه الحرب الكارثية المحتملة. والنفوذ الإسرائيلي الإيديولوجي بقدر ما هو عسكري، أما في نهاية هذا القسم فيعرض سياسات الشرق الأوسط ومنحاها الكاريكاتوري، ويناقش استخدام إسرائيل للقتال الأيديولوجي كوسيلة لإيجاد قطبيّة مفيدة بين المسيحيين والمسلمين.
في القسم الثالث، يتوسّع المؤلف بتحليله للحرب السيكولوجية والأسس الأخلاقية للمقاومة، ودور خبراء الإرهاب الإسرائيليين والمنتمين إلى اللوبي الذين يسلطون عنف الجلّادين على الضحايا: بالطبع فلسطينيون ومسلمون، والشعب العربي والمقاومة. ومن خلال ادعاءات بامتلاك الخبرة واستخدام انتساباتهم الرفيعة إلى المؤسسات، يستعين خبراء الإرهاب بأوصاف مجرّدة من الصفات الإنسانية لينعتوا أعداءهم بالمعادين للإسرائيليين بهدف تبرير التعذيب والمعاملة المهينة، والاعتقالات الكمّية الاعتباطية، والعقاب الجماعي لشعب بأكمله. وبعكس أحكام خبراء الإرهاب المتشبثين برأيهم، وفي القسم الرابع والأخير يتطرق المؤلف إلى النزاع السياسي المستمر حول أهمية اللوبي في تحديد شكل السياسة الأميركية الإمبريالية، بما يتناسب ومصالح مجموعات أخرى ويُثبت المؤلف بصفة خاصة، نقطة بنقطة، بُطلان نعوم تشومسكي التقليل من شأن دور اللوبي، ومن ثم يتفحّص الدور المزعوم للمصالح الاقتصادية لبيع أويل وفايننس كابيتال التي دفعتها إلى الترويج لحرب العراق والتوعّد بحدوث مواجهة مع إيران. ويناقش في نهايته إمكانيات مواجهة الصهيونية، والمطالبة بحرية مناقشة السياسة الأميركية حيال الشرق الأوسط.
الكتاب: سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة
المؤلف: جايمس بتراس
ترجمة: حسان البستاني
الناشر: الدار العربية للعلوم ـ ناشرون ومكتبة مدبولي