«تاريخ اليهود السياسي» يدرس المبررات الصهيونية للعدوان
معضلة الأمة الدينية
عتمدت الصهيونية الوعد الإلهي المزعوم لبني إسرائيل لإنهاء تشتتهم، من خلال العودة إلى صهيون، على اعتبار أنه المبدأ المركزي الذي يحرك الصهيونية ويضفي عليها الشرعية. وبالتالي بدأت المنظمة الصهيونية تنادي بهجرة اليهود من جميع أقاصي بقاع الأرض إلى فلسطين. وعملت بمختلف السبل على تهجيرهم، لإقامة دولة عن طريق الاستعمار الاستيطاني، وعلى اعتبار أيضاً أن فلسطين هي وطنهم القديم أرض الميعاد، وعلى هذا ارتكز أبناء الصهيونية منذ نشأتها على أسس من الدمج بين الفكر الديني والفكر السياسي، وما زالت حتى اليوم تربط كيانها السياسي بالدين. وتجعل من الدين أساساً لوجود الدولة العبرية وحجة في اغتصاب الارض، ومن ثم استملاكها. علماً أن اليهودية دين لا يتمتع أتباعه ببراءات أو صكوك تاريخية أو قانونية، كما يذكر المؤلف في هذا الكتاب تبرر استيلاءهم على أرض فلسطين ولا تربط بين تجمعاتها المنتشرة في العالم لغة ولا حضارة ولا ثقافة واحدة. فهم يفتقدون إلى كل المقومات التي تبني الأمم، والتي تجعل كتلة من البشر متحداً اجتماعياً وسياسياً واحداً يقيم على أرض واحدة وتمتد جذوره في ترابها.
يقول مؤلف كتاب “تاريخ اليهود السياسي” الدكتور علي عبد فتوني أن الصهاينة، هم الذين اخترعوا وروجوا الزعم بأن اليهودية قومية، واليهود أفراد في أمة ليبرروا احتلال فلسطين، واليوم يحاولون صهر يهود العالم من مختلف القوميات والأجناس في قومية يهودية واحدة قائمة على الدين واللغة، لأن القومية هي قوة هذا العصر. فقد درج الصهاينة على محاولة خلق قومية من الديانة اليهودية، وفرضها على يهود العالم يستمدون منها قوتهم.
عوامل النجاح
لقد وضعت الصهيونية لنفسها عدداً من الأهداف فنجحت في تحقيق بعضها، وأخفقت في تحقيق بعضها الآخر. ويعود نجاحها إلى عوامل عديدة من أبرزها: ارتباطها بالامبريالية وانخراطها في مشاريعها وتلمسها منحى تطور الاحداث على الساحة الدولية، ومسارعتها إلى استثمار الفرص التي تتوافر لها، واتباعها المرونة وتكيّيفها أهدافها المرحلية وفق طبيعة الأوضاع القائمة وموازين القوى دون التنازل عن أهدافها النهائية، وقدرتها على استغلال معاناة اليهود على أيدي النازيين، ونجاحها لفترة طويلة من الزمن في تجنيد قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي، إلى جانب قضيتها عبر إظهار نفسها بصورة الضحية وإبراز معركتها بوصفها جزءاً من معركة التقدم ضد التخلف، والديمقراطية ضد الاستبداد على الصعيد العالمي. وعندما تم اعلان دولة اسرائيل راحت الدولة الجديدة تشارك الصهيونية العالمية في تهجير يهود العالم إلى فلسطين، باعتبار أنهم منفيون عن وطنهم القديم في أرض اسرائيل التاريخية. وقد أشار إعلان قيام دولة اسرائيل إلى أن يهود العالم يشكلون شعباً واحداً، وأن هدف الصهيونية هو إعادتهم إلى أرضهم التاريخية لتحقيق بعثهم القومي. ويعرض المؤلف في الفصل الأول اليهود في التاريخ الفلسطيني القديم، وفي الفصل الثاني: فلسطين والغزوات الخارجية، كما وعرض أيضاً في الفصل الثالث السلوك السياسي ليهود روسيا وأوروبا والولايات المتحدة، أما في الفصل الرابع فكان يتضمن المخطط الاستعماري ـ الصهيوني، أيضاً كان الفصل الخامس يحتوي على يهود بعض البلاد العربية، تاريخ يهود العراق، اليهود في اليمن، يهود سوريا، يهود لبنان، اليهود في مصر، يهود المغرب العربي، تونس، ويهود المغرب، وفي الفصل السادس والأخير عرض فيه المشروع اليهودي والدولة الصهيونية المعاصرة.
يشير المؤلف الى الحرب العالمية الاولى 1914 ـ 1918 عندما نشبت ظن اليهود أنها قد تكون فرصتهم. فانقسموا الى فريقين، فريق منهم سعى مع الألمان، وفريق آخر مع الانكليز وحلفائهم، حيث رأت يومها بريطانيا في الحركة الصهيونية قوة نافعة لها، لأنها تعتبر أن منطقة البحر المتوسط شريان حيوي لمصالحها المقبلة.
انطلاقاً من ذلك، عملت الى اقامة الدولة اليهودية في فلسطين. وكان التواصل من خلال وايزمن الذي ابتكر في سنة 1915، مادة الاسيتون للمتفجرات حاجة الحكومة البريطانية في الحرب يومذاك. وأخذت الصهيونية تأييداً ونظرة فعالة بعين الاعتبار التي أدت إلى معاهدة سايكس ـ بيكو في 16 مايو 1916، والتي كانت مخالفة لرغبات الصهاينة، وفرضها على فلسطين حكماً دولياً بدل انتداب تشرف عليه حكومة بريطانية مؤيدة للصهيونية. وبدأت الضغوط والجهود الصهيونية السياسية بعد توقف العمليات العسكرية في الحرب العالمية الأولى، على بعض الدول كالولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا للتعجيل بقبول وعد بلفور بصيغته الجديدة التي تنص: على انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بدلاً من إقامة دولة يهودية في فلسطين، واسترجاع الحقوق التاريخية لهم. بعدها توصلوا الى عصبة الأمم التي كانت تتضمن دستوراً لحل مشاكل الأقطار والشعوب التي كانت تحكمها ألمانيا أو تركيا والداعي الى إقامة انتدابات مؤقتة في بعض المجتمعات التي كانت في السابق تابعة للامبراطورية التركية. ..
طبيعة عدوانية
في 25 ابريل 1920، قرروا بناءً على المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وقد ادمج وعد بلفور واعتبر جزءاً من المعاهدة. وبذلك أعطي الوعد طابعاً دولياً خاصاً، اذ سجل رسمياً لدى عصبة الأمم. ووافقت دول الحلفاء على أن تكون الدولة المنتدبة على فلسطين مسؤولة عن تنفيذ البيان الذي صرّح به ملك بريطانيا بيان بلفور. وقبلت هذه الدولة ان ينشأ في فلسطين وطن قومي للشعب اليهودي. وحددت مسؤولية بريطانيا بالعمل لجعل البلاد في وضع سياسي وإداري واقتصادي يسهل انشاء الوطن القومي اليهودي. أما في سنة 1922، فصدرت وثيقة الانتداب، حيث كانت نصراً صهيونياً بنظرهم. فقد اعترفت الوثيقة بارتباط اليهود بفلسطين، وضمن تصريح بلفور في صك الانتداب، ومعاهدة سفر التركية، ومنح يهود فلسطين حق إنشاء مؤسسات ذات حكم ذاتي، والتزمت سلطة الانتداب بتسهيل الهجرة اليهودية، وسنت القوانين لإنشاء وكالة يهودية تساعد الادارة.
فمن هنا يرى المؤلف أن اليهود توارثوا الطبيعة اليهودية العدوانية جيلاً بعد جيل، ولم يتورع مفكروهم وحكماؤهم في الحركة الصهيونية، منذ نشوئها أن يفلسفوا العدوان ويسوغوه لشعبهم مستندين في فلسفتهم إلى وعد إلهي، زوروه لمصلحتهم، والى إدعاء بأن الله فضلهم على سواهم من بني البشر.
وذكر المؤلف أيضاً كيف انطلقت الصهيونية من وجود المشكلة اليهودية ممثلة بالاضطهاد الذي شهده اليهود في العديد من الدول الأوروبية للمطالبة بإنشاء وطن قومي لليهود المشتتين في العالم عبر هجرتهم الى فلسطين. ولتمنحهم الدولة اليهودية حقوقاً مقدسة وخالدة لا تتأثر بأية حقوق ومطالب أخرى. ولا يمكن لأحد، حتى للفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين أن يكون لهم حقوق أقوى، أو على الأقل مماثلة لحقوق اليهود في فلسطين. ولتحقيق هذا الهدف كان لا بدّ من إرجاع أصل اليهود إلى أقدس شخصية في التاريخ القديم، أي إبراهيم (ع) الذي كان صيته قد عمّ جميع أرجاء عالم تلك الأزمان.
وكان الهدف الثاني، هو تثبيت عقيدة الأرض الموعودة على لسان ابراهيم ويعقوب وموسى عليهم السلام، وهم بريئون منها. لقد شكلت أساطير الصهيونية عاملاً حاسماً في تأسيس دولة اسرائيل بوصفها الهوية المركزية للمجتمع اليهودي في فلسطين. وبعد احتلال الحلفاء لفلسطين، أصبح الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام الصهيونية في تحقيق مخططها الرامي إلى إقامة الدولة اليهودية في فلسطين.
كما ويذكر المؤلف أيضاً إن اسرائيل دولة، غير شرعية، لأن فكرة الدولة اليهودية قامت على أرض سلبت من الشعب الفلسطيني، واليوم تتعامل مع هذا الشعب، على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
المصدر جريدة الاتحاد – عماد جانبيه
الكتاب: تاريخ اليهود السياسي
المؤلف: د. علي عبد فتوني
الناشر: دار الفارابي – بيروت