السيد حسين : وطني وضع مشروع قانون موحد للانتخابات بما يتجاوز الطائفية
احيت “مؤسسة حسن صعب للدراسات والابحاث” ذكراه في نقابة الصحافة في حضور النائب محمد قباني، نقيب الصحافة محمد البعلبكي، الدكتور ربيع الدبس ممثلا النائب اسعد حردان، ممثل المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشريف ريفي الرائد عماد الجمل، النائب السابق عصام نعمان، كريم مروه، عصام علي حسن، وحشد من الشخصيات الثقافية والاعلامية والمتحدثين في ذكراه.
النشيد الوطني، ثم تحدث النقيب البعلبكي فقال: “هذا القائد الكبير من قادة الفكر في لبنان وفي دنيا العرب، تمكن من ان يغدو رسول العقل بيننا يقينا منه وايمانا بان العقل هو آية الله العظمى في هذا الكون، لقد جهد حسن صعب حتى مات في دعوة الناس الى هذا المحراب الذي قضى فيه حياته بتعبد”.
اضاف: “لقد عرفت حسن صعب وعايشته الاخ الاقرب الاحب، منذ كنا كوكبة من الفتيان ننهل العلم معا على مقاعد واحدة من افواه كبار علماء الدين واساتذة العصر في سائر ضروب المعارف، فما عرفت واحدا منا غالب دهره مغالبة حسن صعب ليصنع قدره بارادته وبعقله، فينتصر على اليتم وعلى المرض وعلى كل عوائق نمو الانسان، انتصاره المشهود ويصبح علما من اعلام الفكر ورائدا من رواد النهضة، ويصبح هاجسه المقيم والشعار البليغ للحركة التي ابتدعت في بلورة صورة المستقبل نظرة لم يعهدها لبنان من قبله، فكان له وكان لها الفضل في استحداث انقلاب جذري في مفهوم السياسة وفي اطلاق تيار وطني عماده العلم وسلاحه الثقافة وهمه مواكبة العصر في بعث لبنان بعد ان كاد يمسي الوطن الموات”.
ووصفه بصاحب الحضور المميز الدائم في كل مكان للبنان وللعروبة وللانسان قضية، وفي كل محفل وكل مجمع عربي او لبناني وفي كل ظرف وفي كل موضوع”.
وقال: “ما رضى لنفسه ولا لقومه يوما الركود في مستنقع التقليد، وما التقليد الا تحية للعباقرة، بل كان الالحاح منه اشد ما يكون على ان تكون امته امة العبقرية ومنجبة العباقرة”.
وختم: “نثق انك بما تركت من اثر لن ينقطع لك في مجتمعك عمل وان امتنع عليك بالموت استمرار ما لم تضن به عليه من عطاء، وفي ذلك وحده معنى خلود البشر، ان كان للبشر مع الله مطمح الى خلود”.
ثم كانت كلمة لراعي الاحتفال رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين، الذي قال:
“ابالغ اذا قلت ان هذه الندوات هي الاحب على قلب هذا الرجل الكبير الذي عرفته شخصيا رحمه الله في الدراسة، انه قبل كل شيء انسان كبير يتمتع بحس انساني مميز، رجل حوار من الطراز الاول لا يؤمن بالقطيعة. قال ذات يوم: في السياسة لا خصومة ولا قطيعة، خلال حديث له في الثمانينات، داعيا لان تحاور الحركة الوطنية في حينه حزب الكتائب مهما كانت الحواجز والصعوبات. انه انسان كبير لانه كان مع الطلبة ناصحا ومرشدا، والاساتذة خير زميل وعندما جاء عميدا لكلية الاعلام والتوثيق، كان من افضل الذين خدموا الجامعة، وبهرني فيه حركته الدائمة، انسان لا يهدأ، يكتب ويسافر ويؤلف ويحاضر ويحاور وهذه من انبل الصفات واندرها في لبنان وعالمنا العربي”.
اضاف: “لقد تتلمذنا على يده في علم السياسة وعلى فكره، وما زلت اذكر تعريف علم السياسة بمفهومه ولعله الاهم “علم السياسة هو علم مجمل المعارف الانسانية”، والقائد السياسي قبل ان يمارس السياسة هو صاحب الفضيلة، وهذا اذا كنا نرتجي من السياسة الخير العام، وكذلك مقصد الشريعة وجوهرها هو الخير العام، اضافة الى الفكر القانوني الذي يهدف الى خير الانسان وسعادته”.
وتابع: “لما سئل اذا ما كانت السياسة علم بمعنى النظرية ام فن بمعنى ابداع القائد، اجاب استاذنا الجليل ان السياسة علم وفن، فعلى القائد ان يتعلم ويبندع ايام الازمات كيف يدير ويقود ويتدبر”.
وقال: “لم يقف عند حدود التعبير المستهلك عند الناس، بل تطرق الى ارادة الانسان من التغيير ولعل اهم كتبه اخرها وهو “الاسلام والانسان”.
ودعا الى “قراءته بتمعن وتعمق لنكتشف ونتأكد ان حسن صعب تلميذ نجيب لابن رشد العقلاني في الفكر الاسلامي والحضارة الاسلامية، رائد العقلانية المدنية في الفكر الاسلامي، لانه لم يحجر على العقل ولم يأسره، فلم يتحزب لمذهب فقهي او لمدرسة اجتهادية واحدة، اطل على الفكر الغربي، وقبل ذلك هو ازهري متفقه دارس، ومتأثر بالعروبة ايام جمال عبد الناصر، فكان هواه السياسي ناصريا، كنا نتجالس معا وكان يدعوني دائما الى المطارحات، ويقول لي يعيبون علي اني ناصري، وستثبت الايام ان عبد الناصر لم يفهم بعد حتى الان”.
وتابع قائلا: “هو وطني لبناني سعى الى جمع الاحزاب ووضع مشروع قانون موحد للانتخابات عام 1973 بما يتجاوز الطائفية والاقطاع، وانه بارع في ايجاد الحلول بين الاحزاب المتعددة الاراء. ولطالما ابتدع وطنية لبنانية نفاخر بها ونتغنى، من قال انها تتنافس مع العروبة؟ اترانا اليوم مهددين بوحدتنا الوطنية في ظل غياب الامن بكل مفاهيمه ومعانيه”.
وقال: “انه مؤمن بالحرية، والاجتهاد عنده يقوم على حرية الفكر، وضمن هذا الاطار ننصح بعض مريديه وتلامذته بقراءة كتاب “اسلام الحرية لا سلام العبودية”. اما فكره الانمائي فيكفي انه كان سباقا في طرح دور الانسان غاية ووسيلة قبل برنامج الامم المتحدة الانمائي (UNDP) في تسعينات القرن الماضي، اذ ربط فكرة الانماء بالانسان غاية ووسيلة بذلك كرس فكره الانساني النبيل، وقاد بامتياز فكرة الانماء في لبنان”.
واضاف: “ولعل فكره السياسي، هو ما اوصله الى اهمية القيادة السياسية في اعادة تأهيل الانسان بعد الحرب ولكن لسوء الحظ ما حصل بعد الطائف لم يكن منسجما مع هذا الطموح الكبير للعلامة حسن صعب، يكفي انه مكافح في حياته، عصامي، يتيم الاب، مناضل عروبي، لبناني صميم، منفتح هذه الصفات يجب ان تتوافر في القائد السياسي، ان كان في لبنان ام في الثورات العربية والحراك العربي”.
وتابع: “اليس غريبا ان تصبح فكرة العروبة نهضوية منسية، وان المواطنة فكرة نتناولها في المنتديات ولا نطبقها في الشارع او في البيت او في حياتنا العامة”.
ودعا “الحاضرين الى احياء فكر حسن صعب، واعدا بالعمل على توجيه بعض الطلبة لكتابة رسائل دبلومات او اطروحات عن هذا العلم وسائر الاعلام الكبار، معتبرا الانحياز لهذا الرجل هو بمثابة انحياز الانسان والعروبة والحضارة لا لفئة دون سواها، املا ان يستفيد الجميع من علمه وثقافته والتيمن بأخلاقه وسموه وعظمته”.
ثم كانت كلمة للدكتور انطوان سيف، اسف لغيابه وانطفاء عطائه، وهو الذي لم يهدأ في سعيه لوقف الحرب وصياغته البيان، وخصوصا في مؤتمر الهيئات الثقافية اللبنانية حيث كان البند الاول وقف الحرب فورا ونهائيا واحلال الحوار محل القتال وحكم العقل محل حكم العنف وازالة الحواجز الفاصلة بين المناطق”.
ثم تطرق الى الصداقة معه واحياء مناسبات الاستقلال، واستذكر مواقفه الفكرية ومنها قوله ان النزعة العقلية والعلمنة كالنزعة الى التدين، لا يمكن ان تكون غربية او شرقية بل هي نزعة انسانية”، لذلك جدلية الترابط بين الهوية اللبنانية والهوية العربية واهمية التواصل والتكامل بين الاسلام والمسيحية في نشأة لبنان واستمراره الوطن القدوة”.
وختم بالقول: “حسن صعب هز بعنف ابوابا موصدة باقفال صدئة ورفع التحدي ضد التخلف الى مستوى الرسالة الوطنية والانسانية وزجها في معركة يومية وترك في ثقافتنا خروقات تتسلل عبرها رياح تفاؤلية. ورغم خسارة المرحلة ظل يروج لقضاء مشترك لها نهائي، ومن غير ضجيج اودعنا سماءه ورحل”.
والقى كلمة بالنيابة عن انطوان مسرة، طوني عطا الله روى فيها وقائع عن لقاءات فكرية وثقافية وحوارية عن حسن صعب في ذكرى رحيله ال 22، والذي هو في صميم الوجهة اللبنانية الحوارية التي نحن بأمس الحاجة الى دمجها ودمج تراثها مع برامج ثقافية وتربوية في لبنان والمجتمعات العربية عامة، وبخاصة في البرامج المدرسية والجامعية وفي برامج الفلسفة والادب والتاريخ والتربية المدنية”.
واشار الى ان تأسيس الراحل للجمعية اللبنانية للعلوم السياسية منذ نصف قرن والتي لها تراث ضخم من الابحاث والمؤلفات وهي مستمرة على خطى احد ابرز مؤسسيها، وهو من الوجوه الثقافية الميثاقية الاصيلة والمجددة، وتسعى الجمعية في اطار برامجها اليوم الى توجيه الابحاث نحو استعادة سلطة المعايير والقيم الناظمة للحياة العامة والثوابت الميثاقية للجمهورية اللبنانية، انسجاما مع افكار الرئيس المؤسس حسن صعب، وهذا المشروع واسع لبناء المستقبل والثقة بالمستقبل لصالح الجيل الجديد، ولا نرى في مرحلة تمهيدية افضل من العودة الى فكر الرئيس المؤسس ومنشوراته”.
والقى السفير السابق خليل مكاوي كلمة بالنيابة عن ارملة صعب الدكتورة نعمت غندور، ارسلتها من الولايات المتحدة اعتبرت فيها ان شخصية زوجها الراحل تركت بصمات بارزة في مسار العمل الانمائي في لبنان بمختلف وجوهه، النظري منها والاهلي والدعوي والتطبيقي”، متحدثة عن عقل الفيلسوف الذي انفتح على مختلف العلوم.
وتابعت:” توفي والده قبل ولادته، فحمل اسمه، وبنى نفسه بنفسه، مرتقيا سلالم المعرفة. من بيروت حيث اختاره المفتي توفيق خالد، مع مجموعة من الفتية، بينهم المفتي الشهيد حسن خالد والنقيب محمد البعلبكي، ليؤسس بهم جيلا من رجال الدين المثقفين ثم انتقل الى القاهرة حيث تخلى مع عدد من رفاقه عن الثوب الديني، وصولا الى واشنطن الى الدكتوراه في العلوم السياسية، ومن السلك الدبلوماسي الى التعليم الجامعي، ولا انسى اعتزازه بأنه دخل الجامعة الاميركية في بيروت استاذا بعدما تعذر عليه دخولها طالبا لاسباب مادية ثم الى الجامعة اللبنانية استناذا وعميدا لكلية الاعلام والتوثيق”.
واضافت: “انجاز لبناني تاريخي لحسن صعب، لعله الانجاز الاكبر كما يقول الرئيس سليم الحص، وهو ادخال لبنان في المنطقة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الكسو” بعد غياب لبناني استمر عشرين عاما، وكان يوم الثاني والعشرون من تموز 1990 ينوي السفر الى تونس للمشاركة في اجتماع المجلس التنفيذي، وليزف بشرى قرار مجلس الوزراء بالمصادقة على انضمام لبنان الى “الكسو” عندما فاجأته النوبة القلبية الاخيرة”.
وتابعت:” او لم يكتب في مذكرات اليوم الاخير وكانت الازمة القلبية قد دهمته: “خلقنا لنحيا، الحياة وحدها تستحق ان تكونها، وانا اريد ان اكون، اريد ان احيا، اريد ان اتحرك، اريد ان اخلق اريد ان اذهب الى تونس لاحارب من احارب في “الكسو” المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم”، ولأسالم من اسالم، هكذا كان وجودي في هذه المنظمة بعد ان اقحمت لبنان فيها عام 1985 بعد مقاطعة خمسة عشر عاما، لماذا فعلت ذلك؟ لان لبنان عربي، بل رائد في منظمة الثقافة العربية”.
وقالت: “وقام بتحقيق مشروع قانوني موحد للانتخابات شاركت في وضعه الاحزاب اللبنانية بعد اجتماعات متواصلة استمرت بضعة اشهر في “ندوة الدراسات الانمائية” وهو ما اعتبر في حينه انجازا كبيرا لا يستطيع تحقيقه سوى حسن صعب”.
وختمت: “حسن صعب ترك لنا نتاجا غزيرا، ومكتبة غنية تقدر بعشرات الالوف من الكتب والمحاضرات والمقالات، تشهد لفكره المستنير ولجرأته ولعقلانيته المبدعة حسن صعب متعدد الموهبة، متنوع الفتحات رايا ودفق ذات. رجل بذل عمره نفسا نفسا، نزفه قطرات واهات، انسان التزم عصره وطنا وعالما قضية قضية، فصح نعته بالشخصية الرمز تخطى العادي من الدلالات وشارف الاستثنائي، انه لواحد من رواد الشمل الجميع، ونماذج الايمان المنيع، وضحايا القلب الوجيع، لا لقلة في الانجاز بل لطموح يواكب الاعجاز”.
ثم اختتم الاحتفال برسالة من المؤسسة تلاها الزميل محمد علي درويش، حملت مواقف وجدانية وقال فيها: “ان طلابك وجميع اصدقائك. يعاهدون على السير على هديك ونهجك فنحرر انفسنا من الصغائر والتطيف والتعصب والانانية. كنت لكل لبنان ولكل العرب ولكل انسان كنت عالميا بفكرك وعلمك ومحبتك”.