الفرس من الفارس
“الحصان هو مرآة الرجل الشركسي”
“من يمتلك حصاناً جيداً يمتلك جناحين”
” الفارس الجاهل يفسد الحصان الجيد”
” الفارس الخبير يجعل من الحصان العادي حصاناً جيداً”
ــ يقول ر.ف. أيركيرت 1887م:
” يرجع اهتمام الشراكسة بالخيل إلى عصورٍ قديمةٍ جداً، فالحصان لديهم هو الرفيق الصبور الوفي الأمين و الحامي.
و هو الفخر الأكبر و الصديق الأفضل للفارس الشركسي، و يقدم له كل شيء حتى أخر أنفاسه، و ساعة الخطر يهرب به و يمنحه الفارس الحب و العناية اللذين يستشعرهما الحصان مما يجعله يقدم كل منفعة يطلبها منه فارسه.”
إن الدارس للتاريخ يجد أن إهتمام أجدادنا الشراكسة بالخيول يعود لعصور فجر التاريخ، و كيف أن الأساطير الشركسية تتحدث عن الخيل بشكل دائم، و كيف أن تخوجي حصان سوسروقة من سلالة الخيول المجنحة.
لم يتجرأ أحد أن يهمل دور الخيل و الفروسية عند الشراكسة في أدبهم ، فجميع الروايات و الكتب التاريخية التي كتبت عن الشركس أشادت بفروسيتهم و تعلقهم بالخيل.اشتهرت منطقة القبردى بأنها مربية لسلالات متميزة من الخيول، لذلك كانت معظم الخيول لدى شعوب القفقاس قبارديه، و هي سلالة خاصة في القبردى، كان الشراكسة يدعونها ” أديغاش” و معناه حصان الشراكسة.
أما عن وصول الجواد العربي إلى القبردى، فيعتقد أنه جاء من بلاد فارس فالملوك الفرس كانوا مغرومين على الدوام بالجواد العربي و كانوا يربونه باستمرار لذلك و صل الجواد العربي عن طريق الداغستان.
و بذلك التطعيم المتكرر أصبحت خيول القبارد متميزة بقدرتها على تسلق الجبال بأطرافها الصلبة، فهو حصان جبال واثق الخطوة لديه قدرة هائلة على العمل و السير لمسافات طويلة، و هي صفات ورثها من الجواد العربي، و هو أكثر ذكاءاً من خيول السلالات الروسية فهو سريع التعلم، مخلص مما يجعله جواد حرب جيد، فالجواد القباردى الأصيل قلما يتخلى عن سيده الجريح و يحمله من ساحة المعركة حتى بيته، لهذا كله لا يخلو بيت شركسي من جواد قباردى طبيعي.
وكانت كل أسرة تحتفظ بأسرار تربية الخيول و أصولها كسر لا يجب البوح به.
فتركز تربية الخيول في عدد من الأسر المحدودة نسبياً أمكن لهذه الأسر ضمن المنافسة الحادة فيما بينهم لإنتاج نوعية جيدة من الخيول حسنت لحد كبير نوعية الخيول التي ساعدت أسعارها المجزية في تشجيع عملية الاصطفاء و استيلاد السلالات المحسنة لتلبية طلب الأسواق عليها.
السنة الثانية – نب غف
السنة الثالثة ” للذكر ” – قوه نان
السنة الثالثة ” للانثى ” – دونان
السنة الرابعة – غر يبل
السنة الخامسة – غريته و
تربية الخيول في منطقة القبردىـ تربى الخيول على سفوح جبال القفقاس الشمالي وسهوبه بشكل قطعان، ترعى على الأعشاب الطبيعية حوالي سبعة أشهر من السنة.
ـ ثم توسم المهور و تخصى ويقص من ذيلها و عرفها و حافرها.
ـ أما المهور ذات الحظ العاثر فتستبعد من القطيع و يتم تصريفها لأعمالٍ أخرى.
ـ و لا تركب الخيول حتى تصبح بعمر السبع سنوات.
ـ و كان لا يحبذ ركوب الإناث من الخيل ( الفرس ).
أسرة الأمير لافش كوشوكوه كانت تمتلك 790 رأساً من الخيل.
و تناش مجيد كان يملك 400 فرس و أسرة الأمير بتشمرزا كانت تدفع سنوياً 8000 روبل كضريبة مراعي، و أسرة الأمير قيبقوه كانت تدفع 3000 روبل….
من هذه الأرقام لواقع تربية الخيول في القبردى نستنتج إن تركز تربية الخيول في عدد الأسر المحدودة نسبياً أمكن لهذه الأسر و ضمن المنافسة الحادة فيما بينهم لإنتاج نوعية جديدة من الخيول حسنت لحد كبير من نوعية الخيول التي ساهمت أسعارها المجزية في تشجيع عملية الاصطفاء و استيلاد السلالات المحسنة لتلبية طلب الأسواق لها، مما زاد في شهرة الخيول و إزدياد الطلب عليها.
ترويض خيول القباردىـ بعد أن يتم إختيار الخيول يحين وقت ترويضها من عمر 3-5 سنوات و يقوم بهذه المهمة أناس ذو خبرة في مجال الترويض.
ـ يتم القبض على الحصان بواسطة أنشوطة ( أرقن ) و يقترب أحد الرجال الذي يتمتع بقوة جسدية و يمسك الحصان من أذنيه و يلوي رأس الحصان ” دون أن يؤذيه”.
ـ يأتي عدد من الرجال لمساعدته و يتم طرح الحصان على الأرض.
ـ ثم يوضع القيد الثلاثي حيث تربط القائمتان الأماميتان مع قائمة خلفية.ـ يترك الحصان لكي ينهض ثم يوضع اللجام و السرج.
ـ ثم يمتطيه أحد الفرسان، ثم يفك القيد الثلاثي، ليبدأ الصراع بين الحصان الجموح و الفارس.
ـ تعتبر الساعات الأولى من رحلة الترويض هامة جداً، بالنسبة للفارس الذي يريد إثبات جرأته و شجاعته و خبرته.
ـ رغم كل محاولات الحصان الذي يبذل جهده للتخلص من قيوده الجديدة و يرمي الفارس عن ظهره ليعود حراً من كل قيد.
ـ إن تمكن الفارس الثبات على ظهر الحصان الذي بات منهك القوى و أليفاً هادئاً مطواعاً فتسير كل الأمور بهدوء و سلاسة.
ـ يتم تجفيف الحصان من عرقه و يقدم له العلف الجيد و يربط في الإصطبل.ـ في اليوم الثاني و الثالث يمتطي نفس الفارس حصانه و يتركه يجرب كل قواه، عدواً وقفزاً و مشياً، و بذلك يقتنع الحصان أنه أمام حياة جديدة مع اللجام و السرج و الفارس.
ـ بعدها تبدأ عملية التضمير.
المرحلة الأولى: في أول ” 20 ” يوماً يطعم الحصان عشباً مجففاً فقط و يسقى الماء البارد.
– في كل يوم من الأيام العشرين الأولى يمسد جسم الحصان بشكل خفيف، ثم يفرك جسمه باليد بقوة و حيوية و خاصة منطقة الظهر و الساق و بعد كل عملية مساج يسكب الماء البارد على ظهر الحصان و ساقه.
– الغاية من هذه المرحلة ” 20 يوم الأولى “: التخلص من الشحم الذي أكتنزه جسم الحصان.
– في نهاية الـعشرين يوماً الأولى تظهر على الحصان علامات جديدة كضمور البطن و بروز العضلات و يصبح و بره ناعماً لماعاً، منتصب الرأس، متحفزاَ نشيطاً أليفاً مع فارسه.
ـ يبدأ اليوم بحمام كامل لجسم الحصان، ثم يسكب الماء المالح على ظهر الحصان و خاصة مكان السرج، ثم يسكب الماء البارد بدءاً من رأسه حتى مؤخرته و لعدة مرات.
ـ إن الماء المالح يجعل ظهر الحصان مكان السرج مقاوماً.
ـ و الماء البارد يجعل من جسم الحصان متيناً قوياً صلباً.
وبعدها تجفيفه و سرجه و يمتطيه فارسه.
ـ ثم يُأخذ الحصان بجولة قصيرة و يمتطيه فارس آخر، لتعليم الحصان المشي الهادىء المتزن بخطوات منتظمة.
ـ ثم يأخذ الحصان إلى مجرى ماء صخري و يتجول الفارس بحصانه فوق الصخر المستوي فترة من الزمن و ذلك لجعل حوافر الحصان متينة صلبة.
ـ في هذه المرحلة لا يجب إنهاك الحصان و يجب الإعتناء بغذائه حيث يتم تقديم الشوفان له و كل عدة أيام يعطى وجبة من الذرة البيضاء لتحسين وبره.
ـ يجب الإستمرار في تمسيد أرجله من الأعلى إلى الأسفل و سكب الماء البارد عليها.
المرحلة الثالثة: تبدأ بالجري لمسافات طويلة و بسرعة أكبر في الأراضي السهلية ثم في الأراضي التي تتخللها الوهدات و المرتفعات ذات السفوح القليلة الإنحدار ثم الجري لمسافات يتخللها حواجز قليلة الإرتفاع ليعتاد القفز الحر و مع الزمن يتم زيادة إرتفاع الحواجز.
ـ عند نهاية اليوم يعاد الحصان إلى الإسطبل و يجفف عرقه و يعطى العلف و يسقى الماء و يترك لليوم التالي.
علامات و صفات الحصان الجيد: الرأس صغير ، العينان مستديرتان و واسعتان لهما بريق ، الأذنان صغيرتان و منتصبتان، عظام الفك السفلي رقيقة، المسافة بين طرفي الفك واسعة، الصدر واسع و كذلك المؤخرة و متساويان تقريباً ، الفخذان عريضان، عظمة الساق بين الركبة و الرسغ رقيقة، الرسغ شبه مستقيمة، الحافر سميك و دائري و إنحداره شديد، الجبهة عريضة،فتحة الأنف واسعة، الهيكل العظمي متين و متناسق، اللون: كميت ـ أسود ـ بني غامق ، ذو وبر ناعم.
أهم سلالات خيول القبردى
الشاغدي
هيكله العظمي متين، و قوته عظيمة، له قدره كبيرة على التحمل، حجمه أكبر من الشاغدي، لديه قدرة على المشي و الجري لمسافات طويلة، لكنه ليس سريعاً، متطلباته الغذائية بسيطة، يستخدم كحصان ركوب في الجيش و حصان قفز فوق الحواجز، يستخدم للمهام الصعبة و المناطق المتنوعة التضاريس.
قوندت
متناسق الجسم، قوي، جريء، ينسج مع فارسه، سهل القيادة.
أبقوه
قوي، شجاع، ذكي، مطواع.
قال عنه الشراكسة:” لو أمتلك الرجل حصان أبقوه و أنشوطة لأسس أسرة خلال سنة واحدة”
فارس الأبقوه وفيرة، لذلك كان فرسان النبلاء يستخدمون هذا النوع من الخيول للغزو.
جرشت
متناسق، جميل المظهر، قدرته على التحمل بسيطة، يستخدم للركوب في المناسبات الاحتفالية.
رغم كل هذا الجهد و التعب و المعاناة التي تواجه الفارس الشركسي إلا أنه لا يعتبر فارساً شركسياً بحق إن لم يتبع الأديغة خابزة أو الإتيكيت الشركسي، فكما كل شيء في حياة الشراكسة، وجدت آداب على الفارس الشركسي التحلي بها ليكون فارساً بأخلاقه.
ـ إذا أجتمع الفرسان بغية الذهاب لمكان ما، فالأكبر سناً يقف في المنتصف و الأصغر على يمينه و الثالث على اليسار، وعند الوقوف للإستراحة من المسير، على الفارس الأصغر سناً الترجل بسرعة من صهوة جواده والإسراع لمساعدة الأكبر سناً في الترجل من صهوة جواده ويمسك له لجام حصانه وركابه.
ـ لايجوز للفارس أن يتجاوز فارساً أكبر منه سناً، بل يقف و يلقي التحية و يسأله إن كان بحاجة مساعدة، وهنا على الفارس الأكبر أن يطلب من الفارس الصغير سناً متابعة طريقه.
ـ الفارس هو من يبدأ بتقديم التحية للراجل.
ـ لا يجوز لأي سبب من الأسباب إمتطاء حصان الضيف إلا بإذن منه.
واثق الخطوة، عمره طويل، لا يمكن لحصان آخر في الأرض الجبلية، حر الحركة، صلب المراس، يحب العودة لموطنه، من ذوات الدم الحار، هو حصان ركوب و عمل.”
قاموس الخيول ـ جان روستانو ـ لويس أرماندا ـ أكاديمية العلوم الفرنسية .
” إن التجارة بين بعض القفقاسيين و مسلمي الشرق الأوسط أتت للقوقاز بخيول عربية حيث لقحت الذكور العربية مع إناث الخيول التي تعيش في شمال القفقاس نتج عن ذلك حصان الكبردين و هي خيول جبلية ممتازة وجهها الجانبي محدب لها آذان طويلة و مستقيمة و يلقح هذا الجنس الصافي مع الخيول الإنكليزية للحصول على سلالة جديدة.
كما نجد في روسيا أيضاً خيولاً عربية تسمى ستيرليتز نسبة للإصطبلات التي ربيت فيها و هي تنحدر من إناث مختارة من المناطق الجبلية في أوكرانيا ملقحة مع ذكور تركية و فارسية و عربية الأصل.
و التيرسكي نسبة لنهر تيرك في جمهورية القبردى و هي خيول جيدة للركب و هي نتاج ذكر ستيرليتز مع أنثى كباردين، و التيرسكي له خصائص مميزة يلقحونه مع خيول عربية و يستعمل الذكر منه لتحسين أجناس و سلالات أخرى.”
إن أثمن هدية بالنسبة للشركسي صديقاً كان أو ضيفاً هو حصان كباردين مع عدته الكاملة و هذه العادة كانت و مازالت موجودة حيث تقدم الخيول كهدايا للرؤساء و لتكريم الفنانين و الكتاب.