يصر اليونانيون القدماء على ا،ّ هناك رجلاً واحداً كان يسمى “هوميروس”، وهو الذي نسبوا إليه الإلياذة والأوديسَّة وعدة أعمال أخرى تسمى “الترانيم الهومرية” (Homeric Hymns) . وحوالي القرن الثالث قبل الميلاد نشأ ما يسمى بـ”القضية الهومرية”، إذ أن العديد من النقّاد والباحثين أكّدوا أن الإلياذة والأوديسَّة هما لكاتبين مختلفين، وقد أيّد هذا الرأي العديد من النقّاد والباحثين الأوروبيين فيما بعد، وعلى مدى عصور عديدة مختلفة. كما ظهرت مدرسة في القرن التاسع عشر ادّعت بأن هوميروس لم يكن موجوداً على الإطلاق، وأنّ الملحمتين عبارة عن عمل مشترك لمجموعة من الشعراء أطلق عليها فيما بعد اسم “هوميروس”. وأنصار هذه المدرسة يعتقدون أن الملحمتين كانتا تراجعان وتنقحان، ويضاف إليهما المزيد كلما قرئتا، ولم تصلا إلى شكلهما الحالي إلاّ في القرن السادس ق.م. عندما كتبتا للمرة الأولى في أثينا.
مزهرية إغريقية تحمل مشاهد من الحروب الطرروادية
وعلى عكس ما تقدم، فإنّ الباحثين المعاصرين يعتقدون أنّ أسلوب كل من الملحمتين يشكّل انسجاماً ثابتاً مع الآخر مما يدلّ على أنهما من عمل كاتب واحد، وهم يضعون في اعتبارهم أن يكون الشاعر قد صاغ القصيدتين بالكامل، أو أنه استخدم أجزاء من أعمال بعض الشعراء السابقين مع إحداث بعض التغييرات لتلائم ما يهدف إليه، وبهذا يكون العمل من صنعه بالكامل. وبما أنّ الناس الأقرب إلى عصر هوميروس وإلى فترة التأليف يؤكدون بأنّ هذا العمل هو لشخص واحد، فإنّ النقّاد المحدثين قبلوا هذا الرأي وعزوا الاختلافات في كل من الإلياذة والأوديسَّة إلى كونهما كتبتا في فترات متباعدة من حياة المؤلف ولاختلاف المواضيع في كل منهما.
وهكذا نرى أنه في الوقت الذي لا نعرف فيه عن حياة هوميروس إلاّ القليل القليل، فإنّ ما تركه من أعمال قد عملت على تخليده على مرّ العصور. فالإلياذة والأوديسَّة كانتا على مدى العصور الماضية، ولا زالتا، تعملان كمنبع يستقي منه الشعراء المزيد، والمعيار الذي يقيسون به مواهبهم وقدراتهم الفنية، كما وأنهما الميزان الذي يمكن من خلاله إدراك الطبيعة البشرية من جميع جوانبها، والتعرّف على الذوق السليم. أما بالنسبة للأساليب الفنية التي اتّبعها هوميروس، فالجميع يشهد، بأنه لم يستطع أحد أن يبرزه في ذلك.