رادار نيوز – بالإذن من زياد رحباني… “أنا والله فكري” أرسل التهانئ إلى دول وأحداث وقادة وشخصيات، لأن ما “ارتكبوه” من إنجازات وآيات بيِّنات، وما خططوا له من أجل خير الإنسان والعالم وبدأوا يقطفون ثماره اليانعة، وما يُنتظر منهم بعد من “ارتكابات” قد تقضي على الأخضر (غير الإبراهيمي) واليابس، لا يليق بها سوى مطلع تلك الأغنية الشهيرة.
“زلغوطة” من “كعب الدست” أو من “كعب الحَلْق” (كما في الأغنية)، وأبدأ.
“أنا والله فكري هنِّيك” يا ربيعًا عربيًّا، صَنَعته، بداية، إرادات شعبية أطاحت رموزًا “عاشوا وما شعروا ماتوا وما قبروا” (عفوك عمر أبو ريشة)، فَبَلْطَجَتْهُ المصالح الدولية، ووضعت يدها عليه مصادِرة أحلامًا وآمالًا وعرقًا ودمًا، لتُحلَّ محلَّ دُماها المتحركة السابقة الحاكمة بأمر أسيادها، دمًى جديدة تحكم بالأوامر نفسها. تغير الاسم والشكل والطرح، أما المضمون فواحد: حبُّ الشعب حتى مصِّ آخر نقطة من دمه، وحبُّ الأرض حتى إفراغ ثرواتها في جيوب الأهل والأقارب والحاشية والمحظيين، وحبُّ الكرسي حتى تطويع الدساتير والقوانين، لتجعل من المالك عليها سعيدًا، القاعد في غفلة من الزمن الجيد وبإرادة واعية من الزمن الرديء، كأنه “قاعدة” يجب أن تُعمَّم، وما عداها استثناء.
كرسي… ومرسي، القافية تستقيم. لكن القافلة، التي استراحت قليلًا من عناء سفر طويل في صحارى الصبر والتحمل والأناة، ومن هبَّة نضال بالصدور العارية والمبادئ الإنسانية السلمية، لظنٍّ أنها حققت بعض مبتغاها في التغيير والثورة وبشائر الربيع… هذه القافلة صهلت خيولها وثار أهلوها، لأن تلك القافية رست على دكتاتورية تريد أن تضع كلَّ مصر في جيبها (أو في سَيْلتها)، ويبدو أنها ستستأنف سيرها، في ميدان التحرير، لتُحدث ثورة في الثورة، فيليق بالربيع اسمه وتفرد سنونواته أجنحتها في سمائه الصافية.
حاكم مصر الجديد ما مات… لكنه ألم يرَ من سبقه إلى الموت؟
و”أنا والله فكري هنيك” أيها الغرب، لبعد نظرك وثقابة بصيرتك وحسن قراءتك طالع الشعوب والدول والمصائر. عَوْلَمْتَ نفسك، وتريد أن تعولم العالم بأسره وتجعله صورة عنك، تؤمن ظاهريًّا بمبادئ إنسانية نبيلة، لكنها تخفي وحشًا لا يشبع لحمًا ودمًا وعظامًا، وجَشَعًا لا تبلُّ ريقه بئر نفط، ولا يعطر أنفاسه أنبوب غاز، ولا يرضي أصابعه وعنقه بريق ذهب من عيار 24 قيراط، مرصع بألماس مناجمه في أغنى قارة تقطنها أفقر الشعوب، ولا قمح يشبعه، ولا حرير يغريه، ولا مطابع العملة الخضراء “تلحِّق” على مجونه السياسي وعربدته الاقتصادية…
غرب جشعة سياسته إلى الثروة وعطشى إلى السلطة وجائعة إلى تطويع الشعوب والدول، بما يناسب مصالحها، ولو أطلقت العنان لجهلة تكفيريين، يعيثون في الأرض إرهابًا وتسلطًا، ويهددون بتكوينهم الثقافي وسلوكهم الاجتماعي الأحادي، كيانات نماذج في التنوع والحياة المشتركة وحق الاختلاف، كمثل لبنان الذي سعت وتسعى تلك السياسة الغريبة العجيبة إلى التضحية به، لحل مسائل أخرى على حسابه. ولم تدرك بعد تلك السياسة الغبية العمياء أن لبنان هو “الصخرة التي علقت بالنجم” (تحية إلى سعيد عقل)، لتردَّ بروحانية الأرض التي ترسو عليها، وبانفتاح الشعب الذي يحيا فيها، عن ذاك الغرب، عواصف التشدد ورياح التعصب وأعاصير التكفير وموجات الجهل وتسوناميات الحقد… حتى إذا ما سقطت – ولن تسقط والله – اجتاحت تلك الأنواء الغرب، والتهمته ودمرت حضارته وتاريخه، فيحل تمثال بن لادن مثلًا محل تمثال الحرية في نيويورك، ويُبنى كهف تورا بورا على أنقاض متحف اللوفر في باريس، ويُدرس سيف “بوكو حرام” محل نسبية أنشتاين ومعادلة أقليدس في الجامعات والمدراس.
يا غرب عد إلى رسالتك الأصلية الأصيلة، تقرأها في دور لبنان ورسالته.
و”أما والله فكري هنيك” يا بنيامين نتانياهو، أيها الأرعن الذي شهد بأم عينه، أكثر من مرة، كيف تحطم حق القوة، أمام قوة الحق، ولم يتعلم ولم يعتبر… لأن حب الكرسي، والطمع بالتجديد لقفاه الثقيلة عليها، أعمياه.
وكم ذكَّرني وجهه، وهو يجرجر أذيال الخيبة، بعد “إبداعه” في غزة، بقصيدة من ديواني “جديد الجاهلية”، عنوانها “مُقْتَضَى الشَّيْءِ”:
نَحَارُ – وَاللهِ – إِذْ نَرَاهُ
أَوَجْهُهُ ذَاكَ أَمْ قَفَاهُ؟
فَكَيْفَ، قُلْ لِي، تُرِيدُنَا أَنْ
نَبْنِي عَلَى الشَّيْءِ مُقْتَضَاهُ؟
وأخيرًا لا آخرًا، “أنا والله فكري هنيك”، يا بعض الإعلام اللبناني، ولاسيما منه المرئي، لأنك حولت شاشتك وهواءك وورقك مساحة لضرب المندل وقراءة الكف والتنجيم والتبصير، بعدما استهلكت جميع المنظرين والمحللين والمصادر، العليم منها والمطلع، فاستغللت تعلق الناس بحبال الهواء، وأطللت عليهم بيا لطيف (وعبده) يحيي ليلاتهم هم بترهاته، ويغني هو على ليلاه؛ وأنعمت عليهم بحايك القصص والتوقعات والرؤى (عفوك يوحنا)، وإن خبا نجمه وتقطع بعض خيوطه وخربت آلة نسيجه. وبمايك الأثير (مايك إسم الدلع للميكروفون)، الذي يعرف من نبرة صوت المتصل أن الزائدة الدودية تحركت في أحشائه – وغريب كيف لم تعرف بعد بمواهبه معاهد التشخيص الطبي في أرقى جامعات العالم – ويدرك من بحة صوت المتصلة أن زوجها سيوفق في عمله وابنها سينجح في شهادته، وإن كانت أختنا الفاضلة ما زالت تحت نصيبها، ويبشر رخامة صوت الملهوف (أو الملهوفة وإن كانت تهرم ملفوفة وهي تحدثه) برخاء ورغد عيش… وحدِّث ولا حرج، يا بعض الإعلام اللبناني، عن أسماء ووجوه ستنوِّر ليلة رأس السنة المقبلة، كما فعلت في رؤوس سنوات سابقة، وتجود علينا بما لا يعرفه حتى الله… أستغفر الله العلي العظيم.
إعلام ذكرني أيضًا بقصيدة من ديواني نفسه، عنوانها “سُلْطَةُ الأَفَاعِي”، تقول:
خَرَجَ الْكَلامُ سُمُومُهُ الْمَسْعُورَهْ
مِنْ جُحْرِهِ، وَاحْتَلَّ صَدْرَ الصُّورَهْ
زَمَنُ الأَفَاعِي مَا انْتَهَى، وَيْحِي: لِسَانٌ –
عَاهِرٌ… وَصَحَافَةٌ مَأْجُورَهْ.
“أنا والله فكري هنّيكُ”…مْ، جميعًا، يا من ملأتم سطور هذه الزاوية. لكنني، واعذروني، أربأ بنفسي أن أهنئ نفسي بكم… من بعد إذن زياد رحباني. ختام كالبداية! يا للهول (وأبيه)! مش كده يا مُرسي؟؟؟