برعاية رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، ممثلاً برئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، افتُتحت صباح اليوم في فندق فينيسيا – بيروت الدورة الـ 19 لـ “منتدى الاقتصاد العربي” بحضور 600 مشارك من 18 بلداً تقدمهم وزراء ونواب ودبلوماسيون ورؤساء الهيئات الاقتصادية وكبريات المصارف والشركات.
أبو زكي:
تأخُّر الحكومات في تحقيق النمو وتوفير فرص العمل
سيبقى أحد أهم أسباب زعزعة الاستقرار في المنطقة
استهل الافتتاح الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبو زكي قائلاً: رغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة تمكنت المجموعة من تنظيم عدة مؤتمرات هذه السنة. وفي برنامجها تنظيم 8 مؤتمرات قبل نهاية السنة منها ثلاثة في بيروت والباقي في عواصم عربية وأجنبية أخرى، آملين أن تبقى ملتقيات الاقتصاد والأعمال إطاراً للتواصل والتحاور وبلورة السياسات والمشاريع ونسج العلاقات سواء على مستوى الدول أم على مستوى الشركات والأفراد.
وينعقد منتدانا هذه السنة وسط حراك شعبي غير مسبوق يستهدف تحقيق الإصلاح والتعددية السياسية والحد من الفساد وتحقيق التنمية المتوازنة بين الفئات والمناطق. وعلى الرغم من أن هذا الحراك الإصلاحي يواجه صعوبات هنا أو هناك لكن المؤكد أن العالم العربي مقبل على تغييرات كثيرة، وإن كان علينا الانتظار بعض الوقت لتبين ملامح الوضع الجديد وما سيترتب عليه من نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية. في غضون ذلك، يجب الإقرار بأن الوضع الأمني في بعض البلدان ومناخ الترقب في بلدان أخرى أديا إلى تباطؤ حركة الاستثمار والتبادلات، كما أن الأحداث العاصفة التي نشهدها تركت آثارها البعيدة على الاقتصاد، والذي سيكون في حاجة إلى عناية كبيرة لاستعادة وتائر نموه. والتحدي الأهم أمام الحكومات العربية الآن هو القدرة على تحقيق النمو وتعميمه وتوفير فرص العمل، والتأخر في تحقيق هذه الأهداف سيبقى أحد أهم أسباب زعزعة الاستقرار ومناخ الاستثمار وحركة الأعمال”.
وأضاف أبو زكي: “لقد دحض المجتمع العربي الاعتقاد الذي كان سائداً، وهو أن منطقتنا لا تتأثر بثورة العولمة والأفكار والتطور، وإنه في الإمكان عزل المجتمع، أي مجتمع، ضمن أسوار، والاطمئنان إلى أوضاع تقادمت واستنفدت أغراضها. أو أنه في الإمكان تأجيل الاستحقاقات الداهمة، لكن هذه الأخيرة مثل أي دين مصرفي يزداد ويتضخم مع الوقت ويأتي صاحب الدين، وهو الشعب، ويطالب به دفعة واحدة.
لقد اندفعت بعض الدول العربية في طريق الانفتاح والخصخصة وتحرير الاقتصاد وهي خطوات مهمة ولا شك، لكنها لم تستكمل وتحصن تلك الإصلاحات بشبكة أمان اجتماعية وإنمائية شاملة لكل فئات المجتمع.
ولعل انعدام هذه الشبكة أدى، مع غيره من العوامل، إلى هذا الحراك الشعبي في الساحات العربية. وقد حقق هذا الحراك لغاية الآن بعض الإيجابيات المتمثلة في صحوة شعبية عارمة تنادي بالديمقراطية والتداول السياسي للسلطة وإزالة حواجز الخوف وفرض كلمة الشعب صاحب السيادة”.
وختم أبو زكي: “ينعقد هذا المنتدى في بيروت، في وقت يعيش لبنان أزمة تتجلى في عدم تشكيل حكومة جديدة، وعلى رغم نقطة الضعف الكبيرة هذه، فإن الحركة الاقتصادية اللبنانية تسير بشكل شبه طبيعي بل وأن معظم المؤشرات لا تزال إيجابية. هذا لا يعني أن الاقتصاد اللبناني غير متأثر بالأزمة السياسية الداخلية وبالاضطرابات الإقليمية ولكن هذا التأثر محدود نسبياً، فاللبنانيين اعتادوا على التكيف مع الأزمات”.
طربيه:
لبنان يبقى ملاذاً آمنا للاستثمار
رغم ما نشهده من تقلبات سياسية
رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان، ورئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، الدكتور جوزف طربيه أكد أن “بيروت بالذات التي لا تفقد بريقها وحضورها مهما تعقدت أوضاع البلد في الداخل أو تعاظمت الأحداث في محيطها. ونحن بالفعل أحوج ما نكون حالياً إلى مثل هذه المناسبات للتلاقي والحوار والسعي إلى تكوين فهم مشترك لأبعاد المرحلة الحاضرة والمقبلة، ففي خضم تطورات وتحولات مذهلة وغير مسبوقة في تاريخ منطقتنا، إن من حيث طبيعة ما يحصل وسرعته أو من حيث شموليته ونتائجه، فإن المشهد السياسي العربي الذي يتكون تباعاً مع كل حدث هو مشهد مختلف بكل معنى الكلمة. وقد يصعب تحديد الصورة المكتملة للمشهد الآن، لكن الملامح الظاهرة تؤكد أننا بصدد عصر عربي مختلف ومناخات إقليمية ودولية جديدة. ففي صلب هذه الملامح، نحن نشهد تغييرات جذرية في أنظمة الحكم أو في السياسات والركائز الأساسية لإدارة شؤون البلاد، يصاحبها تبدلات إستراتيجية في هويات وأدوار مراكز الثقل الإقليمي من منظومة دول مجلس التعاون الخليجي إلى تركيا إلى إيران إلى الشمال الأفريقي ويجاريهما معاً تدخل أممي ودولي لا يقل شأناً في أهميته، وفي دوره المؤثر في صياغة واقع جيوسياسي يختلف تماماً عن الصورة النمطية التي اعتدناها طوال عقود”.
وأضاف: “قد يبدو الحديث عن الاقتصاد وشجونه في ظل هذه المعمعة خارج القضايا الساخنة التي تثير الاهتمام العام مقارنة بيوميات الأحداث المتسارعة في أغلب بلدان المنطقة. لكن النظر في عمق هذه التحولات، أسباباً وحيثيات، يفضي إلى استنتاج منطقي بأن الشأن الاقتصادي يقع في صلبها، وسيكون حتماً في صدارة نتائجها بعد بلوغ مرحلة الاستقرار. وحقيقة فأن التطورات المتواصلة أحدثت تغييراً جوهرياً في المعطى السياسي السائد، وبدأت ملامح هذا التغيير بالارتسام، وأهمها التبدل الحاصل في صورة الحياة العامة داخل بعض الأنظمة السياسية القائمة، وارتفاع وتيرة المطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي يقابلها الوعود بالمزيد من الانفتاح والحرية على الصعد السياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية.
وإذ نتطلع إلى عودة الاستقرار وهدوء حالات الغليان التي تمددت سريعاً في الفضاء السياسي العربي، فإننا نلحظ أن التحركات الحاصلة تجتمع على عنوان واحد هو الإصلاح وترفع شعار تعميمه في كل المجالات، وفي مقدمها:
• إصلاحات سياسية، تؤمن توسيع قاعدة المشاركة والفصل بين السلطات وتداولها.
• إصلاحات اقتصادية، تستهدف التركيز على تسريع التحول إلى الاقتصادات الإنتاجية، وتنويع مصادر الدخل، وتوزيع أكثر عدلاً للثروة، ورفع إنتاجية القطاع العام، وتحسين سياسات التشغيل ومكافحة البطالة.
• إصلاحات اجتماعية، تخفف من عمق الهوة بين الطبقات الأكثر غنى والأكثر فقراً، وتعيد الاعتبار للطبقة الوسطى كحلقة اتصال وتواصل، وضخ استثمارات مجدية في إصلاح التعليم والتدريب والتكنولوجيا والرعاية الاجتماعية والصحية.
• إصلاحات قضائية، تساهم في مكافحة الفساد وتصويب مكامن الخلل عبر إحقاق الحق وتعميم سيادة العدالة.
إن الإصلاح هو الركيزة الأهم لبناء الثقة كممر إلزامي مثالي لبلوغ الاستقرار الحقيقي وتعميم فوائده، وهذا ما نطمح إليه جميعاً دولاً وشعوباً وأنظمة. والإصلاح بمفهومه الشامل على الصعيد الوطني هو المسار الأمثل لإعادة صياغة خريطة طريق طموحة الرؤى والأهداف لمنظومة العمل العربي المشترك، ترمي إلى تعزيز التكامل الاقتصادي، وتفعيل التجارة العربية البينية وتسهيل انسياب رؤوس الأموال والسلع والخدمات داخل منظومة الدول العربية على نحو يضمن التنمية المستدامة لاقتصادات هذه الدول ورفاهية شعوبها.
وتابع طربيه: “في خضم هذه المناخات المعقدة والمتخمة بالأحداث، يبقى لبنان ملاذاً آمنا للاستثمار رغم ما نشهده من تقلبات سياسية ومن تأخير في إنهاء الأزمة الحكومية المستمرة منذ أشهر. صحيح أن الاقتصاد شهد بعض الانكماش في الأشهر الماضية دفعت إلى خفض ترقبات النمو من متوسط 9 في المئة المحقق في السنوات الماضية، لكننا لا زلنا نعول خيراً على معطيات النصف الثاني من العام الحالي، والتي قد تعيد تصحيح هذه الترقبات من 3 إلى 5 في المئة وربما أعلى، إذا ما أحسن سياسيونا التصرف في معالجة الاستحقاقات القائمة بما فيها منع الشغور في مركز القرار النقدي والتجديد للسياسات الناجحة التي أسهمت بفعالية في حماية النقد وتكوين احتياطات قياسية وتطوير بنية القطاع المصرفي وفي حفز النمو الاقتصادي ومعالجة العجز المالي للدولة. لقد شهد لنا العالم، بعد الأزمة المالية الدولية، بأننا نموذج اقتصادي وبالأخص مصرفي يحتذى في إدارة التعامل مع ظروف وأوضاع غير مؤاتية للعمل والإنتاج والتقدم. وهذا ما يعزز آمالنا بتنبه السياسيين والفعاليات المحلية إلى أهمية الاستثمار في الثقة عبر تصحيح مكامن الخلل في ممارسة السلطة، وفي تعزيز نهوض دولة المؤسسات. ولدينا كل القدرات اللازمة للعودة إلى التميز في النمو إذا ما أحسنا إدارة شؤوننا الداخلية، وتمكنا من طرح برامج طموحة لإعادة بناء وتحديث البنى التحتية بالشراكة مع القطاع الخاص، وإقرار القانون الخاص وآلياته للتنقيب عن النفط والغاز بعدما أظهرت المسوحات العلمية إشارات واعدة في عمق المياه الإقليمية”.
وختم بالقول: “إننا نعتقد أن تثبيت الاستقرار سياسياً وأمنياً وإعادة انتظام عمل مؤسسات الدولة بكل سلطاتها، هي مهمة واجبة وملحة لكل القيادات والفعاليات المحلية. فنمو الناتج الوطني، على أهميته، لا يمثل مؤشراً كافياً للتنمية الشاملة، بل يلزم أن يترافق مع تعزيز الثقة الداخلية والخارجية وإدخال تحسينات مطردة في حياة الناس والتقديمات الصحية والاجتماعية ورفع مستويات التعليم وتيسيره بما يتوازن مع موازنات الأسر والنهوض بالبنى التحتية والمرافق العامة وإعادة الاعتبار جدياً للمؤسسات والقانون بما يفضي إلى تكامل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وفي إنتاج مناخ استثماري حقيقي. وهذا ما يستدعي من الدولة وأصحاب القرار وفعاليات مجتمعنا المدني إرساء رؤية وبرنامج متكاملين تصب كل الجهود في إطارهما. ولعل الأهم في دورة الاقتصاد الوطني، وأكثر القطاعات جهوزية لمواكبة الفرص المتاحة للعودة إلى النهوض القوي هو القطاع المصرفي اللبناني الذي يدير حالياً موجودات محلية تفوق 137 مليار دولار، ويملك وجوداً مباشراً في أغلب دول المنطقة وفي أسواق دولية كبرى. فهذا القطاع بما يزخر من إمكانات وطاقات متنامية بنيوية ومالية وبشرية، هو قطاع سليم وكفوء، ويشكل أحد أهم مكامن القوة في الاقتصاد الوطني وخط الدفاع الحصين بمواجهة المصاعب والأزمات التي يتعرض لها. وهو أيضاً أحد أهم الجسور للتمدد الاقتصادي الخارجي، على خطوط الرساميل والاستثمارات والائتمان والتمويل والانتشار والتواجد في الأسواق الإقليمية والدولية”.
القصار:
لقد أثبت الشباب العربي أنه طاقة تغييرية
متى تحركت لا يمكن الوقوف بوجهها
بدوره اعتبر وزير الدولة في حكومة تصريف الأعمال، ورئيس اتحاد الغرف العربية، عدنان القصار أن “الدورة الحالية لـ “منتدى الاقتصاد العربي” تلتئم في مرحلة تعتبر من أكثر المراحل التاريخية أهمية وحساسية في عالمنا العربي. فمنذ نهاية العام الماضي والتحولات الكبرى تصيب هذا الوطن العربي من مغربه إلى مشرقه. وإن ما يحصل اليوم من متغيرات تاريخية بدأت ولم تنته حتى اليوم، يؤذن بدخولنا حقبة تاريخية جديدة لا نعرف حتى الآن ملامحها النهائية. ولكن ما نعرفه هو أن التوق إلى الحرية والديمقراطية ورفض الفساد سمات مشتركة يتوحد حولها المواطنون العرب دونما تمييز بين بلد وآخر”.
وأضاف: “إننا كهيئات اقتصادية، وكقادة اقتصاديين في القطاعين العام والخاص ندرك أهمية ما يحصل اليوم من تحولات. وندرك أن الوطن العربي لن يعود كما كان قبل سنة 2011. ولذلك فإننا وكمعنيين مباشرين ننظر إلى ما يحصل بكل هدوء، ونتفحّص مجريات الأمور، محاولين استخلاص ما أمكن من العبر والدروس. فما سيكونه عالمنا العربي بعد هذه الموجة التاريخية سيؤثر تأثيراً مباشراً على اقتصاداتنا، وعلى مصالح شعوبنا، وعلى صورة العمل في الوطن العربي في مجمل الحقول الاقتصادية من المصارف إلى الصناعة إلى الخدمات في كل وجوهها. فالمسألة لم تعد تقاس بمعايير تقنية فحسب بل إن معيار الإنسان العربي الذي قرر أخيراً أن يأخذ مستقبله بيده هو الذي سيكون مطروحا أمامنا، وهو المعيار الذي سنركز عليه في المرحلة المقبلة بعد أن يستقر المشهد العربي عند نقطة معينة”.
وتابع القصار: “إن لقاءنا اليوم يحمل أهمية كبيرة، باعتبارنا قادة اقتصاديين مدعوين إلى التفكير بكل ما يحصل من حولنا. فنحن لا نعيش في جزر معزولة، ولا في أبراج عاجية، بل إننا نتفاعل مع قضايا مجتمعاتنا، ونسهم إلى حد بعيد في بناء أوطاننا يدا بيد مع بقية أطياف مجتمعاتنا. وهنا اسمحوا لي أن أدعوكم إلى التركيز أكثر على عنصر الشباب، أي على المستقبل. وقد أثبت الشباب أنه طاقة تغييرية متى تحركت لا يعود بالإمكان الوقوف بوجهها، ولا يجوز الوقوف بوجهها، بل إن المطلوب مواكبتها، والعمل معها لبناء مستقبل أوطاننا، ومجتمعاتنا العربية على مختلف الصعد، والمستوى الاقتصادي جزء لا يتجزأ من البناء الوطني إن لم يكن الأساس”.
وختم القصار بالإشارة إلى “الوضع السياسي في لبنان وما أفرزه من تأخير في تشكيل حكومة تأخذ على عاتقها الاهتمام بأمور الناس وتكون قادرة على مواجهة التحديات التي يواجهها لبنان. من هنا، فإننا ندعو إلى تجاوز المرحلة الراهنة بروح من المسؤولية وتقديم تنازلات من هنا وهناك لأن هذه التنازلات لا تشكل ضعفاً لهذا الفريق أو ذاك بل هي تعبير عن موقف مسؤول يحتاجه الخروج من الأزمة الراهنة. إننا رغم كل الصعوبات ما زلنا نتمسك بحبل التفاؤل وبتغليب لغة الحوار على كل ما عداها لأن ذلك تغليب مصلحة الوطن وتعزيز للاستقرار الأمني الذي ما زال الجميع على قناعة تامة بضرورة توفيره على كل مساحة الوطن”.
سلامة:
ممنوع إفلاس أي مصرف
ولبنان سيتخطى الظروف التي يمر بها
من جانبه، أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن “عدم تأثُّر لبنان بالأزمة المالية والاقتصادية العالمية، ليس من باب الصدفة بل مردّه للنموذج الذي استحدثناه وطورناه منذ سنة 1993، فضلاً عن السياسات والإستراتيجيات التي وضعناها ودافعنا عنها. في بادئ الأمر، اعتبرنا أن المحافظة على الثقة تفترض ثبات سعر صرف الليرة مقابل الدولار، علماً أن هذا القرار، وإن كان مكلفاً أحياناً، سمح بصون الاستقرار وتعزيز الثقة بالقطاع المالي وتأمين المناخ المؤاتي للاستثمار والاستهلاك. وأعاد الليرة كعملة تسليف مما ساهم بنمو التسليف والاقتصاد. إننا باقون على هذا الهدف ونعمل دائما لتكون لنا الإمكانيات في تحقيق ذلك”.
وأضاف: “من ركائز النموذج الذي اعتمدناه البقاء منخرطين في تمويل القطاع العام. وقد اشترينا سندات خزينة بالليرة والدولار ووسعنا ميزانية المصرف المركزي عبر إصدار شهادات إيداع بالليرة والدولار على المديين القصير والمتوسط، وذلك بهدف الإبقاء على انضباط السيولة في أسواقنا وتأمين جهوزية هذه السيولة بأية عملة كانت. كما إن إدارة السيولة تهدف إلى المحافظة على الاستقرار بمستوى الفوائد الممول بها حالياً لاسيما وأننا نعتبر أن إحجام المصارف عن الاكتتاب بالسندات بالليرة اللبنانية ظرفي ولن يتبدل برفع الفائدة. إن هذه المقاربة لتمويل الدولة تخفض المخاطر وتطمئن الأسواق بأن لبنان لن يتخلف عن تسديد ديونه، كما تعزز الثقة الذي ينعم بها والتي أدت إلى تقييم تكلفة التأمين ضد المخاطر المتصلة باستحقاقات الـ 5 سنوات بـ 350 نقطة أساس. وبالرغم من درجة تصنيف B، تقيم الأسواق مخاطرنا بدرجة BB+ بل حتى BBB”.
وتابع قائلاً: “أما الركيزة الثالثة في نموذجنا، فتكمن في ضرورة المحافظة على قطاع مصرفي متين وسليم. ولن تنحصر رقابتنا وسلطتنا التنظيمية بالمصارف فقط بل ستتوسع أكثر من الماضي لتشمل المؤسسات المالية ومؤسسات الوساطة والصرافة وصناديق الائتمان. ويهدف مصرف لبنان من خلال ذلك إلى تعزيز هذه المهن والى المحافظة على إمكانياتها للتعاطي مع المصارف ومنع تذرع هذه الأخيرة أو مراسليها بتعطيل التحاويل من وإلى لبنان لأي مؤسسة مصرفية لأن لديها حسابات للفئات المذكورة. إننا نقوم بذلك بقرارنا الذاتي وضمن القوانين المعمول بها في لبنان.
من ناحية أخرى، لطالما اعترض المصرف المركزي على وجود مصارف متعثرة فشجع عمليات الدمج أو التصفية الذاتية الهادفة إلى انسحاب المصارف الضعيفة من القطاع المصرفي. ولهذا الغرض، أصدر القوانين ورسم الهندسات المالية المناسبة لتأمين التمويل الضروري دون استغلال أموال المكلّفين. وبالتالي، وبين سنتي 1995 و2003، سحب المصرف المركزي التراخيص الممنوحة لـ 44 في المئة من المصارف، دون أن يتكبد المودعون أو المصارف المراسلة أية خسائر. ونحن مستمرون في هذه السياسة رافضين إفلاس أي مصرف حفاظاً على أموال المودعين”.
وأكد سلامة: “تتأثر المصارف المتواجدة في دول تشهد عدم استقرار سياسي بمحفظتها الائتمانية، إنما اختبارات الضغط التي أجريناها تشير إلى أن رؤوس الأموال المخصصة للعمل في هذه الدول كافية لمواجهة المخاطر القائمة. إن مؤشرات التضخم المتوقعة لهذا العام هي ما بين الـ 6 في المئة والـ 7 في المئة. ونحن نأمل مع تراجع أسعار المواد الأولية أن تتراجع هذه المؤشرات إلى ما يقارب الـ 4 في المئة. تجدر الإشارة إلى أن نسب التضخم في لبنان هي الأقل في الدول الناشئة ودول المنطقة. لذا لن نلجأ إلى رفع الفوائد لمكافحة التضخم ناتج عن ارتفاع عالمي للأسعار وليس وليداً محلياً، بل نسعى إلى إدارة للسيولة تمنع انتشار ارتفاع الأسعار إلى سائر القطاعات. ونعتبر أن على لبنان وضع إستراتيجية للطاقة من أجل تلافي تأثير ارتفاع أسعار الطاقة على قدرتنا الشرائية.
وختم سلامة: “تجنّب لبنان الأزمات، وأسواقه لديها المناعة، وسوف يتخطى الظروف الصعبة التي يمر بها حالياً محافظاً على الاستقرار النقدي وعلى إمكانياته التمويلية مما سوف يمكنه من إعادة إطلاق عجلة النمو التي يمكن أن تعود وترتفع نسبته عن الـ 2,5 في المئة المقدرة مؤخراً من صندوق النقد الدولي للعام 2011”.
السنيورة: الكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة
واختتم حفل الافتتاح رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة ممثلاً رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بكلمةٍ هنا نصها:
حفلت الشهور الخمسة الماضية بأحداث عاصفة في سائر أنحاء العالم العربي. وكان الأبرز في تلك الأحداث خروج الملايين من المواطنين في أكثر من بلد عربي إلى الشارع مطالبين بالتغيير السلمي تحدوهم أربع قيم: الكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة. أمّا النزعةُ السلميةُ والمدنيةُ فسببُها نهجُ العُنْف الذي ساد بالداخل العربي ومِنْ حوله على مدى العقود الأربعة الماضية، من جانب السُلُطات وخصومِها وجانب الجهاديين المتطرّفين، وجانب الكيان الإسرائيلي، وأخيراً الرئيس جورج بوش ومُحافظيه الجدد. وقد حدث كُلُّ ذلك في غياب الشارع العربي والجمهور العربي، بل إنّ المقصود من ذاك العُنْف المتبادل والمستمرّ إنما كان وما يزال الحيلولةَ دون خروج وانتفاضة ذاك الجمهور العربي لاستعادة حقّه في الكرامة والحرية وصُنع المستقبل. لقد قرر هذا الجمهور بلوغَ هذه الأهداف من دون الوقوع في فخّ العنف أي أنه قرر عدم اللجوء إلى العنف في تطلُّب التغيير، وبعدم الإجابة على العنف المستخدَم ضدَّه بذات الطريقة.
لقد قرّر هؤلاء الشباب أنّ الكرامةَ الفرديةَ والعامةَ لا يمكنُ بلوغُها إلاّ بالحرية، أي امتلاك القدرة على ممارسة الحقوق الأساسية دونما خشيةٍ من عنفٍ أو قمعٍ أو إرهاب. والهدفُ بالطبع إنشاء أنظمة ديمقراطية للمشاركة في صون المصالح الوطنية والقومية، وممارسة العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنساني بحريةٍ ومن طريق السِلْم والتضامُن واحترام حُرُمات الدم والمال والكرامة الشخصية والعامة، ومبدأ التداوُل السلمي على السلطة، وإحلال حكم القانون، ومكافحة الفساد والاستغلال وسوء استعمال السلطة من جهة والعمل على تحقيق النموّ البارز والتنمية الاقتصادية المستدامة التي يشارك المواطنون من مختلف الشرائح ومن مختلف المناطق بالاستفادة من خيراتها.
إن علينا أن ندرك أهمية نجاح هذه الانتفاضات ولكن أيضاً أن ندرك أنه من الطبيعي أن تحصل انتكاساتٌ هنا وهناك، كما أنه من الطبيعي أن تكون لحركات التغيير التي تُواجهُها بعض السلطات بالعنف أعباء وتكاليف في الأرواح والموجودات والسوق وحركة الإنتاج. بيدَ أنّ هذه المسائلَ كلَّها هي مشكلاتٌ في طريق النجاح، وليس في طريق الفشل. ويكونُ علينا ونحن نتابع خطوات التغيير، وبوصفنا سياسيين واقتصاديين و مهتمين بالشأن العام، أن نلتفت إلى الآثار والنتائج، وإلى الفُرَص والمستقبل المختلِف والمنفتح الذي تتشكّلُ معالمُهُ اليومَ، بعد أن كان الأُفق ضيقاً أو مسدوداً لعقود.
مما لا شكّ فيه أن نجاح هذه الانتفاضات العربية يسهم في وضع عملية الإصلاح الاقتصادي على الطريق الحقيقي والصحيح. صحيح أنه قد بذلت جهود كثيرة على مدى العقدين الماضيين في العالم العربي لضمان استقرار الاقتصاد الكلي في أكثر من بلد عربي، وحيث جرى التقدم على مسارات السيطرة على مؤشرات وعوامل أساسية كالعجز المالي والعجز في الحساب الجاري ومعدلات التضخم. كما أنه تم تحقيق معدلات معقولة من النمو الاقتصادي الحقيقي.
لكن معدلات النمو المعقولة التي حُقِقت لم تأتِ بالفائدة الكاملة على الجميع، حيث لم تحظ شرائح من المواطنين في جميع المناطق وبشكل كاف بما كان نأمل تحقيقه من ذلك النمو أي المزيد من المشاركة في العملية الاقتصادية. ولذلك لم تتوسع كما ينبغي قاعدة أصحاب المصلحة بشكل كاف لتثبيت سلامة واستمرارية النظام الاقتصادي وكذلك السياسي. ولم يرتفع بالتالي وبشكل كاف عدد الأشخاص المعنيين باستقرار النظام بكونهم شركاء في استدامته وفي الحفاظ على مزاياه. وعلى سبيل المثال، لم تمثل مشاريع الخصخصة التي تم الشروع بها تحريراً اقتصادياً حقيقياً وكافياً إذ إنها وفي حالات كثيرة أدّت إلى بيع أصول الدولة لرجال أعمال معينين دون غيرهم، وذلك من دون تحرير القطاعات المُباعة بالمعنى الاقتصادي الحقيقي للكلمة، أي التحرير الذي يؤدي في المحصلة إلى توفير خدمات ممكنة أفضل وبكلفة ممكنة أقل ودون أن تمارس الدولة بالتالي دورها الناظم لتلك القطاعات الاقتصادية بما يحمي مصالح جميع الشركاء المعنيين بها.
لقد علمتنا التجارب الاقتصادية في كثير من البلدان أن تحقيق معدل مرتفع للنمو، أمر ضروري لكنه ليس كافياً بحد ذاته. فعدد المستفيدين من هذا النمو وكيفية توزعه على الفئات والقطاعات كافة هو أمرٌ أساسي كذلك. إن هذا يعني بالتالي، أن النمو العادل الذي يشعر كل طرف أنه مستفيد منه هو وحده الذي يؤمن النمو المستدام على المدى الطويل.
على صعيد آخر، فإنه من الواجب تسليط الضوء على نقطة مهمة مازالت محط شكوى في معظم دولنا العربية، ألا وهي غياب تقدم كاف على مسار سيادة الحكم الرشيد المتقبل أيضاً للمحاسبة والمساءلة. كذلك استمرار غياب الشفافية اللازمة ومستويات مقبولة من الصراحة والإفصاح. بالإضافة إلى ذلك فإن هناك قصوراً في إدراك أهمية التعرف إلى مواطن الفساد في الإدارة والاقتصاد ودورها في توليد وزيادة مشاعر الإحباط لدى المواطنين ولاسيما لدى الشباب منهم. وهذه كلها أمور تزيد من الأسباب الداعية إلى الفشل في تحقيق التوقعات وبالتالي إلى زيادة حدة اليأس والشعور بانسداد الأفق. لقد تفاقمت المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية في أكثر من بلد عربي وتزايد الإحساس بعدم استفادة كافة شرائح المجتمع بالشكل الملائم من معدلات النمو المرتفعة. كما زادت نقمة الشرائح المهمشة بسبب الارتفاع الكبير في معدلات التضخم وكذلك البطالة ولاسيما لدى الشباب. ولقد اقترن جميع ذلك بسوء الحكم واستشراء الفساد والمحسوبية. ذلك ما أدى إلى حالة متفجرة كما شهدنا في تونس ومصر بشكل خاص وغيرها ليس بالقليل بعد ذلك. فلا عجب والحال كذلك أن تكون قضايا الفساد والإثراء غير المشروع لبعض المقربين من الأنظمة في مقدمة استهدافات هذه الحركات التغييرية، التي سمّت مراكز السلطة الاقتصادية بأسمائها، وهي أسماء اعتاد الناس حتى زمن قريب جداً على التهامس بها فقط جراء الخوف المفرط من القمع.
على هذا، فإن العقد الاجتماعي الاقتصادي الجديد المطلوب إبرامه لا يشمل تحقيق النمو ومكافحة التضخم والتقدم على مسارات تحقيق الأهداف المالية والنقدية والتنموية فحسب، إنما ينبغي التأكد من أنه يجري التقدم اللازم على صعيد الاستثمارات الجديدة في القطاع الموفرة لفرص العمل الجديدة وكذلك في إيجاد المساكن الملائمة للشباب بما يسهم في خلق مستوى أفضل من الطمأنينة بشأن مستقبلهم. من جهة أخرى للتأكيد على العمل على تمكين الشباب من خلال مستويات أفضل من التعليم والتدريب التقني تتلاءم مخرجاته مع حركة الاقتصاد ومجالات نموه وتطوره المستقبلي. كذلك العمل أيضاً على إنشاء المؤسسات القادرة على دفع الإصلاحات السياسية والديمقراطية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية قُدماً وذلك مع تفعيل قدرة هذه المؤسسات على ممارسة الرقابة وتحقيق التوازن بين بعضها بعضاً.
إنه من واجب السلطات والقوى الاقتصادية وقوى المجتمع المدني التي ستنشأ وتتطور من رحم هذه الانتفاضات العربية أن تتولى معالجة هذه القضايا بحكمة وحزم ومثابرة وتصميم. ولكن علينا الاعتراف أيضاً بأن هذا كله لن يكون كافياً بالنسبة لعدد من الدول العربية التي شهدت هذه الانتفاضات كمصر وتونس واليمن، ما لم يتضافر معها الدعم الخارجي السخي الذي يمكن أن يساهم في صيانة وتصويب المسارات المستقبلية لهذه التحولات الديمقراطية.
إن الأمن الحقيقي بكافة أشكاله في منطقتنا العربية لا يقتصر على أمن دولة واحدة أو منطقة واحدة بل هو في الحقيقة أمن عربي نشارك جميعاً في صنعه ونتحمل مسؤوليته ونعمل على صيانته. ولذلك فإن من واجبنا ولاسيما الدول العربية القادرة، أن نتحمل مسؤولياتنا التاريخية تجاه هذا الشباب العربي الذي يحاول وللمرة الأولى منذ عقود أن يرسم بنفسه صورة غده بشكل واع وناضج ومتلائم مع حركة العصر وبما يؤهله للمشاركة في رسم مسار مستقبل هذه الأمة.
هناك مسؤولية كبرى من الواجب تحملها، على الصعيدين الاقتصادي والمالي لناحية الإسهام في تمويل العجوزات المتوقعة في الحساب الجاري وفي الموازنة لدى تلك الدول التي تخوض غمار التجارب الديمقراطية الجديدة ولاسيما فيما يتعلق بمعالجة والتصدي للانخفاض الحاصل والمتوقع في نسب النمو الاقتصادي الحقيقي والتدهور في مستويات السياحة والاستثمار الأجنبي. إن هذا مطلوب من أجل:
أولاً: حماية هذه الديمقراطيات الناشئة وتحفيزها على الاستمرار وصون ديناميتها وحيويتها حتى تستطيع أيضاً مقاومة ضغوط العودة إلى اعتماد تجارب اقتصادية سابقة أثبتت فشلها في العالم العربي بل في معظم دول العالم، كالتأميم وتكبير دور الدولة في الاقتصاد بدلاً من تعزيز أسلوب دور الدولة الناظم والمحفز للعمل الاقتصادي. إن الولوج في هذا المسار التراجعي سيدخلنا في حلقة مفرغة جديدة من الوعود الزائفة والتوقعات الوهمية وبالتالي التعثر.
ثانياً: حماية عروبة هذه التحركات والتزامها بالخطوط الوطنية العربية العريضة وإقدارها على لعب دورها في تعزيز التضامن والعمل العربي المشترك ولاسيما فيما خصّ دور مصر الهام في العالم العربي.
لقد وعد الرئيس أوباما ومن ثم مجموعة الثمانية مشكورين بتقديم التزامات هامة لتونس ولمصر، وجاءت المبادرة السعودية أيضاً بتقديم دعم سخي لمصر. ولكن الواقع يبقى أن هذان البلدان سيواجهان فيما سيواجهانه الكثير من التحديات والكثير من المطالب والتوقعات المتراكمة غير الموفاة على مدى سنوات بل عقود. إن هذا الواقع يتطلب إدارة أفضل لمسائل الشأن العام وتهدئة واقعية للتوقعات من جانب المواطنين من جهة أولى كما يتطلب من جهة ثانية أن نقوم بواجبنا كعرب، وكمؤمنين بحق الشعوب في تحديد مصيرها، بحيث لا نتوانى عن تقديم كل دعمٍ نحن قادرين على تقديمه، بما يحفظ لهذه البلدان قدرتها على التقدم بثقة على مسارات تعزيز ديمقراطيتها وحريتها وعروبتها وتقدمها الاقتصادي.
هذا في المدى القريب العاجل، أما في المدى المتوسط والإعداد له فلا بد لنا من العودة إلى تعزيز فكرة العمل العربي المشترك والمشاريع المشتركة العابرة للحدود، والذي لا بد أن يكون مبنياً هذه المرة على القناعة والإدراك بأنه ليس بمقدورنا متفرقين أن نواجه التحديات القائمة على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي وتنموي واجتماعي. لقد أعطتنا الثورات العربية مؤشراً دامغاً يؤكد وحدة الأمة العربية وذلك عبر انتقال هذه الانتفاضات من بلد عربي إلى بلد آخر عند انطلاق شرارتها الأولى. ولقد دلّت هذه الانتفاضات العربية بوضوح على أن هناك قواسم مشتركة عديدة نواجهها كعرب كارتفاع معدلات البطالة لدى الشباب ولاسيما لدى الشباب الجامعي، وعدم اعتماد التمكين الاقتصادي الملائم لشرائح كبيرة من المجتمع وكذلك عدم إقدارهم على المشاركة الفاعلة في صنع المستقبل وطبعاً مسائل أخرى مرتبطة بالفساد وغياب الشفافية وضعف المؤسسات.
لقد أشعلت ثورة الياسمين في تونس ثورات في مصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من البلدان العربية وأظهرت أن هنالك خيطاً يجمع هذه الأمة يتمثل بحالة الإحباط وانسداد الأفق السياسي والاقتصادي والاجتماعي وان هذا الخيط مليء بالتشوهات. والتحدي الكبير الذي علينا أن نواجهه اليوم هو كيف نحول هذا الخيط الجامع إلى رابط مليء بالفرص والآمال والمواجهة المتحدة للتحديات. خيطاً يؤسس لشراكة حقيقية واعدة تجعل إمكانيات كل بلدٍ عربي تتعاظم وتتكاثر من خلال تفاعلها مع إمكانيات البلدان العربية الأخرى. وتتمثل هذه التوجهات بإطلاق العمل في المشاريع المشتركة العابرة للحدود على صعيد شبكات الطرق وسكك الحديد والمواصلات ومشاريع الربط الكهربائي والنفطي والغازي وعدد كبير من المشاريع الصناعية والزراعية والتكنولوجية القائمة على اقتصاد المعرفة.
في العودة إلى لبنان، مما لا شك فيه أن لبنان يمر بفترة حرجة، فقد تم إسقاط حكومة الوحدة الوطنية بقرار غير مدروس ومتعجل، أُستتبعَ بمحاولة لقلب موازين القوى عن طريق أساليب غير ديمقراطية استعملت فيها وسائل غير مستحبة. وتزامنت هذه الخطوة المتسرعة مع بداية تغير المسرح العربي والإقليمي عبر الانتفاضات المندلعة والتوازنات المتبدلة. أضف إلى ذلك أن القوى التي اجتمعت على إسقاط حكومة الوحدة الوطنية تبين أنها لم تكن تملك تصورا كاملا وواقعيا ولا خطة احتياط فوقعت البلاد في هذا المأزق نتيجة لعدم التبصر وعدم الاتعاظ الداخلي من التجارب السابقة. وها هو الآن الفريق المسؤول عن تشكيل الحكومة مازال يتلكأ بالقيام بذلك.
في كل الأحوال، أود أن اغتنم هذه الفرصة وبحضوركم وعبر هذا المنبر لأقول وبوضوح. إن الواقعية والعودة معاً إلى الدولة هما طريق الخلاص الوحيد للبنانيين، فالمبالغة بالأحجام وادعاء القدرة على الإلغاء كانت جميعها موضوع تجارب في لبنان ولم نجن منها إلا مناكفات وحروباً أهلية لم نعرف خلاصاً منها ومن نتائجها المدمرة حتى الآن. فهل من يريد تكرار هذه التجارب المريرة؟ أنا لا أستطيع أن أصدق أن لبنانياً يريد حقيقة تكرار هذه التجربة المريرة ولا الخوض في غمار الفتنة الداخلية على الإطلاق، وبالتالي فأنا شديد الإيمان بأن التهويل بالفتنة لا بدّ وان يصطدم بصخرة الإيمان بالكثير الذي يجمع اللبنانيين وتمسكهم بثوابتهم الوطنية.
أنا أدعو كل إخواني اللبنانيين لنضع خلافاتنا على الطاولة بدلاً من وضعها على رؤوس الناس وبالتالي تحميلهم ما لا طاقة لهم به. هذا الكلام، هو اليوم كلام كل اللبنانيين الراغبين في الحياة الحرة والكريمة.
اللبنانيين المؤمنين بلبنان العربي الحر السيد المستقل والديمقراطي. اللبنانيين المؤمنين بالدولة الديمقراطية المدنية وضرورة العودة إليها وبشروطها وعلى أساس من احترامها. المقاومة هي عنوان وطني يمكن أن يجتمع اللبنانيون من حوله، أما السلاح فهو موضوع اختلاف طالما هو خارج عن إرادة الدولة وسلطتها. هذه هي الواقعية وان ما نريده هو ممارسة ديمقراطية حقيقية فيها أعلى نسبة من المكاشفة والحوار، وأدنى نسبة من المواجهة تمكينا للبنان من أن يلعب دوره الحقيقي في نهوض مجتمعه والمجتمعات العربية.
أود أن استشهد هنا بكلام للمؤلف والمؤرخ اللبناني والعالمي أمين معلوف عن اللبنانيين: “إما أن نعرف كيف نبني في هذا القرن حضارةً مشتركة يستطيع كلٌّ منا الانتماء إليها بطيبة خاطر، وتشدُّ أواصرها قيمٌ عاليةٌ واحدة، ويحدوها إيمان عميق بالتجربة الإنسانية، ويثريها تنوعنا الثقافي… وإما أن نغرق معاً وجميعاً في بربرية مشتركة لا قعر لها”.
من هنا أود أن اشدد على أننا في لبنان وبعد كل هذه التجارب الصعبة التي مر بها وطننا وشعبنا، وفي موازاة هذه التغيرات التي يعيشها العالم العربي علينا أن ننصرف بحكمة وروية لمعالجة شؤوننا ومشكلاتنا، فلا القطيعة تنفع، ولا الثأرية توصل إلى الحق ولا الخروج عن منطق الدولة الديمقراطية المنفتحة يوصل اللبنانيين إلى ما يسمح لهم ببناء مستقبلهم. علينا أن نجهد من أجل أن يبقى لنا لبنان حرا عزيزا عربيا سيداً مستقلاً، لكي نتمكن من أن نعيش فيه وتعيش فيه الأجيال القادمة من بعدنا. لقد دلت الثورات في العالم العربي إن النظام الديمقراطي وتداول السلطة بشكل سلمي، هي غاية منشودة سبق للبنان أن سار على نهجها ويجب عليه أن يستمر بالتمسك بها.
تكريم كمال والعمودي والماضي ومجموعة الخرافي
كعادتها كل عام، منحت مجموعة الاقتصاد والأعمال جائزة “الريادة في الإنجاز” لكوكبة من الشخصيات والمؤسسات العربية القيادية الرائدة في بلدانها وفي قطاعاتها، وشمل التكريم خلال الدورة الـ 19 لـ “منتدى الاقتصاد العربي”: وزير الاقتصاد والمالية القطري يوسف حسين كمال، رجل الأعمال السعودي الشيخ محمد حسين العمودي، نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) المهندس محمد الماضي، كما شمل التكريم المغفور له مؤسس مجموعة الخرافي الكويتية ناصر الخرافي، بشخص نجله مرزوق ناصر الخرافي.
محاور المنتدى
تناقش الدورة 19 لـ “منتدى الاقتصاد العربي”، الذي تنظمه مجموعة الاقتصاد والأعمال بالاشتراك مع مصرف لبنان وجمعية المصارف في لبنان ومؤسسة التمويل الدولية (IFC) التابعة للبنك الدولي، على مدى يومين المتغيرات في العالم العربي وانعكاساتها على الاقتصاد والسياسات المالية والمصرفية، من خلال ست جلسات تتناول:
• السياسات الاقتصادية والمالية في ظل المتغيرات السياسية
• العالم العربي في مرحلة التغيير وكيفية بناء مستقبل جديد
• كيف يتفاعل الاقتصاد العربي مع التحولات السياسية؟
• الصناعة المصرفية والتمويل وملامح المرحلة المقبلة.
• كيفية إعادة صياغة مناخ جديد للاستثمار والأعمال.
• الشباب العربي: من صناعة التغيير إلى بناء المستقبل
كما يتضمن المنتدى حواران رئيسيان مع المشاركين يوم الجمعة 27 أيار/مايو، الأول الساعة التاسعة والنصف صباحاً مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والثاني الساعة الوحدة والنصف ظهراً مع رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي.