نحن من نصنع التاريخ وما نتصرفه اليوم وغداً سيصبح تاريخاً
حاوره: عماد جانبيه
من أين يبدأ الحديث عن شخصية متعددة الأبعاد بحجم سعادة سفير الجمهورية العراقية في لبنان عمر برزنجي، من أي صفحة من سجله الفكري أو الدبلوماسي، والحقوقي النضالي الطويل نبدأ؟
مسيرة احتضن خلالها قضايا وطنه والأمة العربية والأسلامية بتجرّد ونزاهة فاستحق بجدارة حب الأصدقاء واحترام المختلفين معه في الرأي والموقف.
فهو كما كل العرب الغيارى الشرفاء، حامل هموم وطنه، والأمة والانسان بعينيه وقلبه ووجدانه. يمتلك شخصية دينامية عزّ نظيرها، لا يكل ولا يمل ولا يعرف اليأس، رجل طيبته طينته، إن أحب أخلص وإن قال فعل، فهو الكردي العربي الأصيل نشأة وتربية، وهو المثقف تفكيراً وسلوكاً، والسفير إدارة وتنظيماً وتخطيطاً، ودبلوماسياً. وهو الانسان تسامحاً وفهماً وقبولاً كما وصفته أمينة سر مكتبه السيدة سهام. وهو كل هذا وأكثر.
وللسفير عمر أحمد كريم البرزنجي محطات قام بها في سبيل تحقيق ما تحقق…
خدم مهنته المحاماة خلال عمله (1984- 2008)، مثّل العراق في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف لمدة أربع سنوات ونصف (2004- 2009) كرئيس لدائرة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية. ومنح شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والدبلوماسية في كلية القانون – جامعة الحضارة الأسلامية يوم 19 آب 2009، في بيروت بدرجة أمتياز.
وبالنظر للأهمية التي توليها دولة العراق للعلاقات العراقية – اللبنانية تم تكليفه في مطلع كانون الثاني من عام 2009، سفيراً للجمهورية العراقية في لبنان. الموقع والمنصب الذي اتاح لسعادته توطيد العلاقات العراقية – اللبنانية على جميع الأصعدة.
وحولها كان لنا مع سعادته هذا الحوار:
بدأ الحديث عن مدى العناء الذي يتكبده العمل في لبنان، وهذا ما يحتاج إلى تنازلات بحسب ما قاله سعادة السفير، فمن ناحية تطلب منه الأمر تضحية براحته الشخصية، ومن ناحية أخرى كان الضغط عليه وموظفي السفارة بسبب الزيارات الشكلية والمطلبية للبنانيين وعراقيين على حد سواء.
– منذ أن تسلمتم مهامكم الدبلوماسية ولديكم حضور قوي ومشاركة فعالة في كافة المناسبات في المجتمع اللبناني. ما سر هذا النشاط الدائم؟
إن المشاركة موجودة لكن الأهم مدى حجم هذه المشاركة والدور الذي نقوم به. فأنا أربط الليل بالنهار للقيام بهذه النشاطات. وقدمت نموذجاً لغيري ولربما آخرين يكون لديهم أولويات مختلفة، لكن بالنسبة لي، لأني آتٍ من عراق مظلوم محكوم بدكتاتورية وقهر لفترة طويلة والعراقي – حتى المتواجد على الأراضي اللبنانية – بحاجة إلى إستعادة الثقة بينه وبين الدولة العراقية، ومن واجبي أن أعمل على ذلك كمؤسسة حكومية وسفارة – هذا ما تتطلبه مني إنسانيتي ومهنيتي – لذا أسعى للتواصل الدائم مع الجميع؛ خصوصاً أن المواطن العراقي لديه الكثير من الأسئلة وما بين ال”نعم” و ال”لا” الكثير من الأجوبة، والحمدلله لدي علم الفراسة لأعلم ماذا يريد وإلام يحتاج وبالتالي علي سماعه ومساعدته. فأنا أنظر لكل مواطن على أنني أخ له وإن إعترضوا على أمر معين بشكل عادي أو تظاهرة أتعامل وأتعاون معهم بذات الطريقة.
علينا القيام بهذا الدور لأننا نحن من نصنع التاريخ ونحن ما نتصرفه اليوم وغداً سيصبح تاريخاً ربما سلبياً أو إيجابياً، فأنا قد درست التاريخ الإسلامي ووجدت دروساً عظيمة نتعلم منها ونعتز بها وأخرى نخجل أنها من تاريخنا.
– هل هذه الرؤية الديمقراطية أتت من خلفية المناصب السابقة التي تبوأتم بها ؟
عندما مارست مهنة المحاماة كنت والزملاء خلال المرافعة نستخدم كافة الوسائل القانونية لكي يدافع كل محامي عن موكله ومن ضمنها عبارة “لاصحة لما ورد….” والتي ينفي فيها المحامي كل ما قاله زميله، ومع ذلك كنا نخرج من القاعة كأصدقاء. فليس من العيب أن ننتقد الآخر. وهذه من الممارسات الإيجابية في مسيرتي، كما وقد تأثرت بتربيتي والبيئة التي ترعرعت فيها، فخلال فترة شبابي كان لدي الكثير من الأفكار، وكنت من دعاة الحوار وتقبل الآخر حيث يجب سماع وجهة نظر الطرف الآخر دون أذيّته بكلمة حتى أني أذكر في إحدى المرات كنت في جدال مع ملحد إحترمت رأيه واستعملت الإعجاز العلمي في القرآن الكريم لإقناعه وليس لإكراهه فالآية الكريمة تقول “لا إكراه في الدين”.
وحينما ذهبت إلى أوروبا وجدت أن الآخر ينظر إلى الإسلام من خلالي فهو لا يقرأ القرآن إنما أنا قرآنه، وهنا توجب علي أن أتصرف بطريقة لبقة لإعطائه صورة إيجابية عن الإسلام. هذه كلها كانت مقدمات إلى أن شاء القدر – فأنا لا أؤمن بالصدف – وأصبحت سفيراً في الأمم المتحدة. تبنيت موضوع توضيح صورة العراق، فطُرح ذات يوم سؤالاً عن إعدام صدام وكان يجب علي أن أتبنى رأياً فقلت أن المادة 406 من الدستور العراقي تنص على أن القتل مع سبق الإصرار والترصد فيه خمس وثلاثين عاماً من السجن، وصدام كان أكثر الناس قتلاً واستخدمها عدة مرات فلنستخدمها نحن مرة واحدة.
– هل تعتقدون أن بعد إعدام (صدام) سقط كل شيء من النظام السابق؟
انا برأيّ ان صورة العراق الجديد صورة واضحة جداً، فيجب علينا ان نكون واضحين في رؤيانا للامور، حتى لا تأتي تصريحاتنا متناقضة، وعليه يجب ان ندرك ما معنى العراق الجديد ..وما معنى المشاركة الجماعية للكل، وما معنى الانتهاء من حكم النظام السابق، وان نكون على مستوى ثقافة العصر، ومسأ لة الديمقراطيه، وحقوق الانسان، والتعددية ، ومسألة قبول الآخر، وتداول السلطة، وعليه يجب ان تكون جميع هذه المسائل واضحة عند الشخص المسؤول.. ليستطيع ان يتحدث بعدها برؤية واضحة، فالرؤية الغامضة قد تجعل الانسان يقول اليوم شيء وفي الغد شيئاً أخر، وان لا ننسى المتغيرات في علاقة العراق بالدول.. فموقف الدوله ازاء دولة اخرى قد يكون اليوم بحال.. وبعد شهر او اكثر يكون حالاً اخر، ولكن علينا ان لا ننسى ان هناك ثوابت، لابد ان تكون التصريحات أزائها واضحة جداً وان نبتعد عن الضبابية، وان لا يكون كمن يقدم قدم ويؤخر قدم، وان ندرك ان العراق الجديد الممتد من زاخو الى البصرة، يضم قوميات مختلفة ويضم كتل احزاب على مختلف المشارب.. منها العلمانية ،والدينية، واليساريه، والقومية، ومنها المستقلة التي تضم اناس مستقلين لايرغبون ان يكونوا تحت اي مسميات حزبية.. ولكنهم رجال سياسة، فليس بالضرورة ان يكون الانسان سياسي.. فهو ان تحدث عن العدل والظلم يكون سياسياً.. بمعنى ليس بالضرورة ان يكون منتمياً لحزب معين، وقد يكون هذا الشيء افضل باعتبار انه سيكون معتدلاً مع الجميع..
علينا ان نفهم اننا اخوة في بيت واحد، ولنا الحق في كل متر فيه، وكل شيء شائع بيني وبينه.. ونحن جميعا نتشارك في حكم العراق.. عكس الوضع السابق الذي كان يحكم بحزبٍ واحد يسمي نفسهُ حزب القائد.. ثم يأتي ليجير اسم الحزب، وينتهي الحزب بنهاية ذلك الشخص.. فأن ممارسة هذا الشي مرفوض، وانتهى زمنهُ، وفي الحقيقة انا معجب بالتجربة الاوربية في هذا المجال، فالديمقراطية موجودة، والكل ممُثل، والمواطن له قيمة.. سواء كان من الحزب الموافق لسياسة الدولة.. او ان كان من الحزب المعارض.. فكونه مواطن يشكل 90% أما الباقي فهي مسائل اخرى.
– ماذا تعني السفارة للجالية العراقية ؟
لقد بدأت منذ تولينا مهام السفارة في بيروت بالتواصل مع كل الشرائح والجالية العراقية المتواجدة في لبنان ونحرص على حفظ مصالح العراقيين ومتابعتها، كما ونشارك في اي نشاط تقيمه اي جهة عراقية موجودة في لبنان، سواء بالحضورالشخصي او من خلال انتداب من يمثلنا من اعضاء السلك في السفارة. بالاضافة الى اللقاءات الرسمية التي تجريها مع المسوولين اللبنانين ومنظمات المجتمع المدني وكافة الاطراف الرسمية، اوغير الرسمية التي تصب كلها في خانة حفظ وتحسين اوضاع العراقيين في لبنان .وفي نفس الوقت فان ابواب السفارة مفتوحة لكل العراقيين، على اختلاف اديانهم وانتماءاتهم ولا يوجد أي استثناء عن هذه القاعدة.
– ما أفضل ما قمتم به خلال كل هذه الممارسات؟
يومها في الأمم المتحدة عندما اعترضت على موضوع الإساءة إلى الأنبياء (الرسومات الكاريكاتورية) واعتبرتها تسمية خاطئة ويجب تغييرها إلى “الإساءة إلى الشعوب والأمم” فحينما يُساء إلى نبي إنما في ذلك إساءة لأمة بأكملها.
– تطرقتم إلى أهمية نقد الذات والآخر، هل تعتبرون أن نقد الذات والمجتمع قد أثر في مسار تطور المجتمع العراقي؟
ليس كل الناس على درجة واحدة، هناك منهم على دراية أو يتعاملوا مع جهات في الدولة أو منهم أعدل لعادله من دون أن يكون له خلفية. وهذا كله مرتبط بشخصية الإنسان، فالعادل هو بشخصه وطباعه عادل وهناك ظالم لا يعرف أنه ظالم، هناك مثلاً كوردياً يقول ” أنثى القنفذ تقول هل هناك أليَن من طفلي!”، وهو كله أشواك. هذه النظرة الوردية إلى النفس خطيرة إنما على الإنسان معرفة قدر نفسه ونقد الذات شيئاً من ذلك.
– لماذا الثورات العربية عموماً نراها تتراجع وبطيئة كما الحال في سوريا؟ هل هناك من ممنوعات؟
قبل الثورة يجب توافر خطة مدروسة لمعرفة تبعياتها وما البديل عنها. لكن في حال قامت الثورة دون معرفة ما سيجري بعد ذلك تعم الفوضى وهذه مشكلة كبرى أو عندما نزيل المنكر ونستبدله بمنكر آخر نقع في كارثة أيضاً. ومن وجهة نظري، إني أؤيد الثورات الديمقراطية بطريقة سلمية.
