لائحة الإنتظار…

192 views

 

حين تزداد مساحات الخيارات في حياة الناس، يمكننا ان نقول انهم اصبحوا يتمتعون بحرية ما ليفعلوا، وهذه الحرية تخولهم ان يشحذوا طاقاتهم ويوجهوا اهدافهم نحو ما يريدون، وبذلك فان لهم رؤية خاصة يسعون وراءها.
لكن، ماذا لو كانت هذه الخيارات شكلية وصورية، الغرض منها تحذيري لا تحريري؟! خيارات اجدها تعكس صورة واضحة لكل ما يحدث في المجتمع، وعن حاجة ملحة اصبح من المتعذر علينا تجاهلها بعد كل ما يحصل.
لن اتحدث عن مشكلة التوظيف، فهي مشكلة عامة تشمل كل خرّيجي الجامعات وكلياتها، فالطالب يتحسّر حين يبدأ باختيار تخصصه الجامعي ليجد ان خياراته التي اتيحت له مهمّشة، محجّمة، ممنوعة عن ان تكون فاعلة في المجتمع وغير قابلة للتحول… فيكتشف اخيراً انه قد اضاع سنوات من عمره في عبث لا جدوى منه..! وان كان هذا الطالب من المحظوظين سيجد له وظيفة اخرى كسائق او حارس امن وغير ذلك.
ان العمل بحد ذاته ليس فيه ما يشين طالما جاء برزق حلال، لكن المشين في الامر ان كل هؤلاء الخريجين من جامعات ومعاهد مختلفة واصحاب تخصصات لم يجدوا من يستقبل تخصصاتهم او يقدرها، والادهى والامرّ من كل هذا، انهم في تزايد مستمر عاماً بعد عام، وان دخلهم في مستوى متدن للغاية! فعلى سبيل المثال لا الحصر خريجو الكليات… ولكثرتهم، فان قلّة منهم تمارس دورها الفعّال في المجتمع، ورغم الحاجة الملحة والضرورية لهم فنحن نجد ان هؤلاء عندما يتخرجون من الجامعة لا يمكننا ان نقول بأنهم اصبحوا اخصائيين، الا اذا مارسوا دورهم المهني وتخصصوا فيه، وهذا ايضاً يحتاج الى مرحلة جديدة من الممارسة المهنية والعملية. ففي صف الانتظار الطويل الذي يقف فيه الخريج وتزداد اعداد قائمته تضخماً، عاما بعد عام، نجده ينسى كل ما تعلمه وما لصق بذاكرته من نظريات… ولا يمكننا لومه على ذلك، فهو لم يطبق شيئاً فعلياً حتى الآن، على مدى سنوات طويلة نسي كل ما تلقاه… عقله وتفكيره توقفا، ابداعه مات، وانطفأ نشاطه على باب انعدام امل الممارسة، الذي لم يأتِ بعد… نجد ان مشاكل مجتمعنا تزداد عمقاً واتساعاً كل يوم، لذا يحتاج الى عناية ووعي خاص، فـللأسف بعض الاختصاصات التي حمل اصحابها من خلالها رغبة ملحة للالتحاق بها ودراستها بعمق، صدمتهم، في ما بعد، بما احتوته على ارض الممكن والمتاح من خيبات لا تحصى، سواء في اثناء الدراسة او بعد تخرجهم منها، فلم يعد لها طرح مناسب ولا استقبال او حفاوة واهمية وغيرها الكثير.
اتساءل؟ ما الفرق بين امراض الجسد وامراض المجتمع خصوصاً ما اذا اكدت لنا الاحصاءات بان نسبة كبيرة منها هي مسبب للأول… اليس من الضروري ان يعيش الافراد اصحاء في مجتمع نظيف ينعم بالاستقرار والراحة؟ ماذا ان لم نجد كل هذا ولا بدائل عنه في حين انه توجد لدينا حلول اخرى من كوادر وطاقات يمكنها المساهمة في العلاج لكنها للاسف الشديد مهمّشة ومقيدة.
اظن ان استمرار الوضع على هذا الحال سيفسد علينا هواءنا وانفسنا واسرنا ومهننا وكذلك صحتنا في آخر المطاف.
اين يمكننا ان نحمل كل قضايانا البسيطة والمعقّدة كي نجد الراحة؟ هل نحملها الى ابواب المحاكم بعد وقوع المحظور؟ ام الى عيادات ومستشفيات الصحة النفسية، فهي لا تستطيع خدمة كل القضايا الا من جانب الحالة نفسها لتحقيق نتيجة مطلوبة؟! او من الافضل ان نتركها تسبح في قضاء واسع بلا حدود تحدّها، فتزداد حياتنا شقاء بها وتزداد حلبة الصراع اتساعاً ليشمل كل شيء معها من قضايا المجتمع وهمومه ان لم يقم المعنيون بدورهم فيه؟
حقيقة ان اردنا ان نتقدم وننقذ ما تبقى لنا من استقرار في المجتمع فلنحسن استغلال ما لدينا من كوادر وطاقات وهي اقرب ما تكون متعطشة للعمل والتعلم وتطبيق نظريات وآراء خاصة بها تنتظر ان يفتح لها المجال لتقول ما لديها عملياً، وترسم دورها الحقيقي على ارض الواقع، بدلاً من ان نساهم في خلق مجموعة موارد بشرية جديدة تكدس كل عام لتضاف الى لائحة الانتظار الطويلة التي لن يحين  دورها مطلقاً ولا اظن انه سيحين خصوصاً مع ما نلمسه من مؤشرات واقعية!
بعد كل هذا، هل يمكننا ان نقول بان فرص الاختيار في الدراسة والعمل كانت متاحة لنا فعلاً في المجتمع؟ لا اظن لأنها تخضع للعشوائية والصدفة. هذا ما يقوله لسان الحال، وبحسب ما توحي به لائحة الانتظار الطويلة جداً.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Previous Story

الديوانية التونسية تصادر يختين كانا بتصرف افراد من عائلة الرئيس المخلوع بن علي

Next Story

ورشة عمل لتعزيز التنمية المستدامة في قضاءي زغرتا وعكار بالتعاون مع البلديات

Latest from Blog