رادار نيوز – ينبئ مسار التطورات العسكرية في سوريا بنجاح النظام في استرجاع منطقة القصير الاستراتيجية. وأهمية هذا التحول أنه يسمح له بربط المدن السورية الكبرى، بعضها ببعض، وبفك الارتباط بين الداخل السوري والداخل اللبناني عسكريًّا، وبترجمة التقدم الميداني تعزيزًا للموقف التفاوضي في مؤتمر جنيف – 2، فضلًا عن تزامن هذا التطور مع نجاح يحققه النظام على جبهات داخلية أخرى، وعن خطط لاسترجاع أجزاء من مدن، مثل حلب ودرعا وغيرهما.
وينبئ مسار الاتجاهات الدولية والإقليمية عن انكفاء أميركي مقارنة بالاندفاع الذي ظهر في بداية الأزمة السورية، مما يعني أن التسوية التي ستتم مع روسيا، في هذا الشأن، ستجعل دولًا كثيرة في المنطقة تورطت تسليحًا ودعمًا في تلك الأزمة، إما تفرمل خطواتها، وإما تستشرس في التورط إذا أصرت على النيل من رأس النظام، وقد بلغت معه نقطة اللاعودة في العداء والاستهداف.
وينبئ مسار الأوضاع في لبنان بأنها تتجه من مأزق إلى مأزق. عجزٌ عن وضع قانون انتخاب، مما اقتضى التمديد للمجلس النيابي بإجماع لم يعارضه سوى نواب في تكتل التغيير والأصلاح، وبالتالي دخول البلاد مهلة انتظار ليبت المجلس الدستوري طعنين في هذه الخطوة التي لم ترق لكثيرين من اللبنانيين، تقدم بهما رئيس الجمهورية ميشال سليمان والعماد ميشال عون؛ وعجز هو نفسه عن إنتاج قانون جديد من الآن وحتى نهاية الولاية المجلسية الممددة إلى 20 تشرين الثاني 2014، لأن ثمة أفرقاء كثرًا لا يريدون إلا القانون الذي يمنحهم غالبية برلمانية؛ وأزمة تأليف حكومة ما زالت تجرجر مع رئيسها المكلف تمام سلام منذ نحو شهرين، بوجود حكومة تصريف أعمال، ويبدو أنها لن ترى النور قريبًا بدليل الشروط التي توضع أو الحقوق التي يتجاوزها البعض ويحرم غيره نيلها، خصوصًا أن التمديد للمجلس سيدفع إلى إعادة النظر في وظيفتها ودورها وشكلها وعدد وزرائها، لأنها لم تعد حكومة انتخابات فحسب؛ احتمال حدوث فراغ رئاسي، إذا تكرر السيناريو الذي شهدناه في نهاية عهد الرئيس إميل لحود، فتتحول الحكومة حكومة انتقالية تتسلم مجتمعة مقاليد الحكم، إلى حين التوافق على اسم الرئيس المقبل.
هذا على الصعيد السياسي، أما على الصعيد الأمني، فوسط تدخل أفرقاء لبنانيين في الأزمة السورية، من دون أن يشكل الأمر عقدة لأي منهم، وانتقال بعض الصراع إلى مواجهات على الحدود اللبنانية مع سوريا، خصوصًا في البقاع، وفي غمرة التلفت الذي يترجم عسكريًّا في طرابلس، ومع إطلاق إسرائيل يد أسطولها الجوي في سماء لبنان، تواجه البلاد هذه المخاطر بقرب فراغ منصب قائد الجيش الذي سيحال على التقاعد، وبأمر مماثل في قيادة قوى الأمن الداخلي للمرة الثانية في ثلاثة أشهر، من دون إغفال ما تتعرض له المؤسسة العسكرية من حملات سياسية من بعض الأطراف، ومن مكامن تنصب لها فتصطاد ضباطها وعناصرها، كالعصافير، وضعف القرار السياسي الذي يكبل قدرة الجيش على التصدي للمعتدين عليه والعابثين بأمن الوطن.
ثلاثة مسارات متزامنة متداخلة… لعل أبرز ما يمكن أن تفضي إليه، هو تحول لبنان ملجأً لمن يمكنه الهرب من المسلحين الذين يقاتلون في منطقة القصير، ولن يكونوا إلا بالمئات إن لم يكن بالآلاف، وقد بدأت طلائعهم تصل، وسط أنباء عن تدخلهم في معارك طرابلس الأخيرة. وهذا يستدعي طرح سؤالين:
– ألا يفترض أمر كهذا أن تقوم في لبنان حكومة تتمثل فيها الكتل النيابية بنسب أحجامها، من دون فذلكات وتشاطر ورهانات، ودفع البلاد إلى الشلل، فيتصدى ممثلو اللبنانيين جميعًا لهذا الخطر الداهم؟
– أَوَلا يقتضي من الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى أن تكون مستنفرة بجهوزية عالية، لإحصاء هؤلاء المسلحين المنتظر هربهم إلى لبنان، ومعرفة مكان إقامتهم والتحقق من هوياتهم، وسط الحديث عن وجود عناصر من “جبهة النصرة” بينهم، فلا يتغلغلون ضمن بيئات حاضنة لهم، ويكررون مشهد معركة نهر البارد الذي لن يكون محصورًا في رقعة صغيرة، بل سيمتد إلى كل منطقة يتجمع فيها هؤلاء المسلحون ومن يأويهم… أي ربما إلى كل لبنان.
وللتذكير فحسب، معركة نهر البارد التي خاضها الجيش اللبناني، عام 2006، في مواجهة منظمة شبيهة بجبهة النصرة، هي فتح الإسلام، كلفت الجيش وحده 171 شهيدًا تُوجت شهادتهم لاحقًا باغتيال كبير أبطال تلك الحرب اللواء فرنسوا الحاج، فضلًا عن سقوط أكثر من ألف ضابط ورتيب بين جريح ومعوَّق، من دون أن نحتسب ما خلفته من انعكاسات على مختلف الصعد سياسيًّا وأمنيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا.
فهل من يريد أن يصبح لبنان كله نهر بارد جديدًا؟
تسلم يا عسكر لبنان… أللهم إني توقعت وبلغت.
