ترأس الصلاة بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي عاونه الاب نقولا الرياشي وبمشاركة البطريرك السابق غريغوريوس الثالث لحام، المطران كميل زيدان ممثلا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، المطران الياس الكفوري ممثلا بطريرك الروم الارثوذكس يوحنا العاشر يازجي، السفير البابوي في لبنان المطران جوزف سبيتيري والقائم بأعمال السفارة المونسنيور ايفان سانتوس، سكرتير مجلس الكنائس الشرقية في روما المونسنيور لورنزو لوروسو، كاهن بازيليك مار نيقولاوس في باري – ايطاليا جيوفاني ديستانتي، ممثلين عن الطوائف المسيحية كافة، الرؤساء العامين والرئيسات العامات للرهبانيات، كهنة، رهبان، راهبات وحشد من المؤمنين.
معلوف
وبعد الصلاة، القى الارشمندريت معلوف كلمة ترحيبية اعتبر فيها “ان هذا اليوبيل يحمل الذاكرة والرسالة والقداسة”، وقال: “اقف في ما بينكم، بصفتي واحد من خلفاء الاب المغبوط نيقولاوس الصائغ، الاب العام الثاني، المؤسس والمشترع والباني والذي اتم بغيرته وعلى نفقته هذه الكنيسة التاريخية، اقف خاشعا امام هذا القدس، متأملا بعمق ارثه الثمين والامانة الملقاة على عاتقنا، حائرا في ما اقول، فما لي والحالة هذه الا ان اتفرس في سناء وجه المؤسس واتأبط بردائه كحرز لنكمل سوية مسيرته السامية”.
ورأى انه “عندما يفتقر الحاضر احيانا الى بعض من القيم الابداعية، يعود المرء الى الوراء ليغوص في بحر التاريخ، وعندما يقع نظره على احدى اللآلئ، يتلقط بها وينفض عنها ما علق من ركام الزمن الغابر حتى اذا ما عاد بريقها يعلم يقينا ان الماضي المجيد يجب ان يحاكي مستقبلا واعدا وان الابداع في احلك الظروف وفي مختلف المجالات يبقى ممكنا الآن، شرط ان يكون هناك عزم اكيد وارادة صلبة وحرية حقيقية وان من الصور الجميلة عن لبنان والشرق المسيحي انهما ارض القداسة، بها كان وابدع وسيبقى”.
واكد “ان المقصود من هذه الذكرى هو اولا الوفاء لأبينا نيقولاوس ولجميع الآباء المؤسسين وان نبقى امناء لدعوتنا المقدسة وان نحفظها ونسلمها بدورنا الى الاجيال اللاحقة وثانيا الاستقامة وثالثا الوحدة في الايمان التي هي افصح تعبير عن الشهادة التي تستوجب الالتزام الصادق بخيار التكرس والسعي الحثيث لتنمية مواهب الروح القدس فينا”.
سبيتيري
والقى السفير البابوي سبيتيري كلمة نقل فيها تحيات وبركة قداسة البابا فرنسيس مهنئا الرهبانية الباسيلية الشويرية بهذه المبادرة وفتح باب كنيسة مار نيقولاوس امام المؤمنين للحج اليها.
وشكر سبيتيري المونسنيور لوروسو والبعثة القادمة من بازيليك مار نيقولاوس في باري-ايطاليا مرافقتهم لذخائر القديس الى هذه الكنيسة.
واكد “ان القديس نيقولاوس يشكل جسر عبور بين الشرق والغرب، وان الصلاة التي رفعها قداسة البابا فرنسيس مع بطاركة الشرق الاوسط في باري هي من اجل السلام في المنطقة”، داعيا الى “الصلاة لنحصل على نعمة السلام في قلوبنا وفي مجتمعاتنا ومنطقتنا”.
وقال: “يبقى مار نيقولاوس لنا جميعا كمسيحيين في الشرق والغرب الشاهد على ايماننا في حب الله الذي خلقنا وابنه الذي خلصنا والروح القدس الذي يجددنا ويطهرنا في رحلة الحج هذه”.
وطلب “شفاعة القديس نيقولاوس قديس العطاء، لنكون شهودا لحب الله في اعمالنا من خلال المسامحة وعمل الخير تجاه كل اخوتنا واخواتنا”.
لوروسو
واعتبر لوروسو “ان الاحتفال باليوبيل الثالث لكنيسة مار نيقولاوس في هذا الدير ونقل ذخائر هذا القديس الكبير اليه دليل على العلاقات الوثيقة مع روما”.
واكد “ان مجمع كنائس الشرق الاوسط يدعم كل نشاطاتكم في كافة المجالات”، آملا في “ان يستمر هذا التعاون في المستقبل ما يسهم في اتباع طريق المسيح المعلم لتتكرسوا من اجل عمل الخير لخدمة اخيكم الانسان”.
ديستانتي
بدوره، اعرب الاب ديستانتي عن فرحه “بالحج الى هذا الدير المكرس لخدمة مار نيقولاوس في هذه الارض المنتجة للقديسين، وملتقى الحضارات والديانات والتي حلمت ان ازورها منذ المراهقة”.
وقال: “نحن نعبر عن الشعور نفسه لقداسة البابا فرنسوا تجاه الشرق الاوسط الذي اتى الى باري في تموز الماضي مع بطاركة الشرق الاوسط للصلاة من اجل السلام في الشرق الاوسط ونقول اننا الى جانبكم ونأمل في ان يرافقنا القديس نيقولاوس ويحمينا في مسيرتنا”.
العبسي
وكانت كلمة للبطريرك العبسي قال فيها: “يطيب لي أن أشارك اليوم في افتتاح السنة اليوبيلية الثلاث مئة لبناء هذه الكنيسة على اسم القديس نيقولاوس وأشكر قدس الرئيس العام إيلي معلوف والرهبانية الباسيلية الشويرية العزيزة على أنها أتاحت لي ذلك”.
اضاف: “نحن هنا الآن بفضل أولئك الرهبان الذين كرسوا ذواتهم للصلاة والتأمل وخدمة الله تعالى وبنوا هذه الكنيسة وهذا الدير لتمجيده. كان ذلك في العام 1719 قبل أن تنقسم كنيسة أنطاكية في بلادنا وما فكروا يوما في حينه بأن هذا الانقسام سيحصل، ولا شك أنهم تألموا حين حصل هذا الانقسام. ما كانوا يوما ليفكروا بمنطقين إنما بمنطق واحد هو منطق الإنجيل ومنطق الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية. وهذا ما جعل هذه الرهبانية تسير بحسب هذا المنطق منذ نشأتها إلى اليوم بالرغم من أنها صارت في الصف الكاثوليكي. وها هي اليوم وفي هذه الذكرى بالذات تعبر عن ذلك بأجلى تعبير بدعوتها كنائس مختلفة إلى الصلاة معا بفم واحد وقلب واحد إلى الروح القدس لتتحقق أمنية يسوع أن يكون الكل واحدا”.
وقال: “نتكلم كثيرا اليوم عن الحركة المسكونية وننظم الندوات ونقيم الصلوات من أجل تحقيق وحدة المسيحيين. ولا شك أن خطوات نوعية ومتقدمة قد انجزت في هذا السبيل إلا أن الطريق على ما يبدو ما زال طويلا لأسباب متنوعة لا مجال لذكرها الآن. أود في هذه الذكرى أن أشير إلى أن من يعمل في موضوع الحوار المسكوني ويتعاطى هذا الشأن عليه أن يتحلى بقداسة السيرة. الوحدة المسيحية لم تتم ولن تتم إلا على أيدي أناس قديسين مشبعين من الإنجيل. لا تتم الوحدة المسيحية فقط على يد مفكرين ومنظرين. هؤلاء قد يساعدون بتفكيرهم ويمهدون الطريق لكن القرار لا يستطيع أن يتخذه إلا رعاة قديسون لذلك يلزمنا رؤساء ورعاة قديسون في الدرجة الأولى. ونشكر الله تعالى الذي ينعم على كنائسه برجال ورعاة قديسين لأنهم أمل الوحدة المسيحية وضمانتها”.
واردف العبسي: “في السنوات الأخيرة القريبة حصل شيء في بلادنا، في مشرقنا العربي، شيء أعتقد أنه يجب أن يكون موضع تفكيرنا بل متيقظا لضمائرنا فيما يتعلق بموضوع الوحدة المسيحية. هذا الشيء هو استشهاد مسيحيين من كنائس تختلف عن كنيستنا، كنائس لسنا في وحدة إيمانية كاملة معها. استشهاد هؤلاء يجعلنا نتساءل: أين هي الحقيقة التي يدافع كل واحد منا عنها معتقدا أنه يملكها؟ على سبيل المثال، هذا الذي لا يعترف مثلي بأن للمسيح طبيعتين إلا أنه مات مستشهدا من أجل المسيح، هل أستطيع أن أقول عنه إنه لا يملك الحقيقة لأنه ليس مني؟ أو أن المسيح لا يقبل شهادته؟ أين الحقيقة؟ أفي القول إن للمسيح طبيعتين أم في الاستشهاد من أجل المسيح؟ الاستشهاد من أجل المسيح واقع أراه وألمسه وأسمعه لكن البحث في الأمور النظرية ليس ملموسا. ألا يجعلني مثل هذا الاستشهاد أتساءل عن فائدة الاستمرار في البحث في المفاهيم النظرية المجردة؟ كذلك الأمر ينطبق على القديسين الذين ليسوا حكرا على كنيسة واحدة بل تشمل شفاعتهم جميع المسيحيين”.
ورأى انه “إذا كانت وحدة المسيحيين تبنى على قداسة السيرة وشهادة الحياة فهي بلا شك من صنع الروح القدس. لذلك على من يتعاطى الشأن المسكوني أن يكون متواضعا وأن يقر بأن كل مقاربة فكرية لله تعالى وبالتالي لمضمون إيماننا هي غير كاملة. لذلك لا يكفي أن نستمع بعضنا إلى بعض بل يجب أن نصغي كلنا معا إلى الروح القدس، روح الحق الذي يعلمنا كل شيء”.
وتابع: “نحن اليوم نتقبل في ما بيننا الماء الذي يرشح من جثمان القديس نيقولاوس الصانع العجائب. نطلب إلى الله بشفاعته أن يصنع لنا معجزة وحدتنا. كثيرون يتساءلون إلى متى نصلي من أجل وحدة المسيحيين. ها قد مضى أكثر من مئة عام ونحن نصلي بانتظام وبلا انقطاع. وماذا بعد؟ ماذا بعد هو أن نتابع الصلاة وأن نقرن هذه الصلاة بسيرة إنجيلية ليضيء الرب الإله قلوبنا بصافي نور معرفته الإلهية ويفتح عيون أذهاننا لنفهم تعاليمه الإنجيلية. ومن أجل ذلك نحن هنا نصلي بعضنا مع بعض لكي نكون واحدا في الرب يسوع”.
وقال: “ان حضوركم ومشاركتكم اليوم في هذه الصلاة أنتم الذين أتيتم من بعيد ومن كنائس متنوعة هو دليل كبير على أنكم ما زلتم تؤمنون بأن الصلاة هي الدرب إلى وحدة المسيحيين. أشكركم على حضوركم وأؤكد لكم الآن، أننا، نحن الذين ها هنا، بمن نمثل، لن نتخلى عن هذه الصلاة ولن نكل عن متابعة مسيرة الحوار من أجل وحدتنا المسيحية موحدين بدماء شهدائنا ومعضودين بصلوات قديسينا”.
وختم العبسي: “اعود واشكر الأب العام والرهبانية على دعوتي وإشراكي في هذه الصلاة فاتحة اليوبيل. وأتمنى أن تكون الأيام اليوبيلية المقبلة ينبوع قداسة لكل الرهبان وأن يمتزج عطر قداستهم بعطر قداسة أولئك الذي ابتدأوا هذا المشوار فيبقى هذا العطر فائحا وتتحولون به أنتم إلى شذا عطر المسيح”.
اعلان التوأمة
وبعد تبادل الهدايا التذكارية الخاصة بالمناسبة، اعلن الاب الرياشي عن التوأمة بين بازيليك القديس نيقولاوس في باري – ايطاليا وكنيسة القديس نيقولاوس في دير مار يوحنا الصابغ في الخنشارة، لنشر تكريم اسقف ميرا قديس الكنيسة شفيع وحدة المسيحيين والمدافع عن السلام بين الشعوب”.
واشار الرياشي الى “ان ذخائر القديس نيقولاوس هي هدية لجميع المؤمنين الذين سيزورون هذه الكنيسة المقدسة في السنة اليوبيلية، وهي موجودة في ايقونة تاريخية تعود الى عمر الكنيسة وهذه الذخائر تحمل الحيط المقدس الذي ما زال يرشح حتى هذا اليوم من عظام القديس نيقولاوس اسقف ميرا التي اصبحت ذخائره في باري في ايطاليا، وتحمل هذه الذخائر اربعة اعمدة ترمز الى الانجيليين الاربعة الذين حملوا وكتبوا البشارة التي آمن بها القديس نيقولاوس طيلة حياته وتحمله عارضتان من الخشب ترمزان الى كنيستي الشرق والغرب وخصوصا ان القديس نيقولاوس هو القديس المسكوني الذي تكرمه الكنيسة جمعاء، الارثوذكسية والكاثوليكية، يحمل تاجا رمز الاسقفية، وعلى رأس التاج دائرة ترمز الى ضابط الكل، يسوع المسيح. نيقولاوس ترجمته الظافر او الحامي والمدافع عن الشعب، واوراق الغار تتوج ذخيرة القديس نيقولاوس التي هي من عظامه ووراء هذه العظام موجودة شجرة الحياة التي يرتفع فوقها الصليب المقدس الذي يشع منه نور يسوع المسيح وامام الذخائر ورود محفورة على الخشب وهي ترمز الى ان الصديق كالنخل يزهر وكأرز لبنان ينمو”.
بعد ذلك، توجه العبسي والارشمندريت معلوف والمطارنة والحضور الى صالون الدير حيث تبادلوا التهاني باليوبيل.